يزاحمه. وذلك القانون هو الشرع ، ولا بد له من شارع يقرره على ما ينبغي متميزا عن الآخرين بخصوصية فيه من قبل خالق الكل ، واستحقاق طاعة وانقياد ، وإلا لما قبلوه ، ولم ينقادوا له ، وأن يكون إنسانا يخاطبهم ويلزمهم المعاملة على وفق ذلك القانون ، ويراجعونه في مواضع الاحتياج ومظان الاشتباه ، فتلك الخصوصية هي البعثة والنبوة ، وذلك الإنسان الشارع لقوانين المعاملات فيما بينهم ، والسياسات في حق من يخرج من مصالح البقاء هو النبي ، فلا بد من أمر مختص يدل على أن شريعته من عند ربه ، ويقتضي لمن وقف عليه أن يقر بنبوته ، وينقاد له وهو المعجزة.
قالوا : وهذا الإنسان هو الذي يجتمع فيه خواص ثلاث : هي الاطلاع على المغيبا ، وظهور خوارق العادات ، ومشاهدة الملك مع سماع كلامه. ومعنى ذلك على ما شرحه في الشفاء وغيره أنه يكون كاملا في قوته النفسانية ، أعني الإنسانية والحيوانية المدركة والمحركة ، بمعنى أن نفسه القدسية بصفاء جوهرها ، وشدة اتصالها بالمبادئ العالية المنتقشة بصور الكائنات ماضيها ، وحاضرها ، وآتيها ، وقلة التفاتها إلى الأمور الجاذبة إلى الخسة السافلة ، تكون بحيث يحصل لها جميع ما يمكن للنوع دفعه ، أو قريبا من دفعه ، إذ لا بخل هناك ولا احتجاب ، وإنما المانع هو انجذاب القوابل إلى عالم الطبيعة ، وانغماسها في الشواغل عن عالم العقل ، وأن قوته المتخيلة تكون بحيث يتمثل لها العقول المجردة صورا وأشباحا يخاطبونه ويسمعونه كلاما منظوما محفوظا ، وأن قوته المحركة تكون بحيث يطيع لها هيولى العناصر ، فيتصرف فيها تصرفها في بدنه ، فيعنون بالخصائص هذه القوى ، وبمشاهدة الملك هذا المعنى ، فلا يرد الاعتراض بأن الاطلاع على المغيبات وظهور خوارق العادات قد يوجد لغير الأنبياء ، فلا يكون من خواصهم ، وأن مشاهدة الملك وسماع كلامه مجرد عبارة لا يقولون بمعناها على أن الخاصة (١) قد تطلق على الإضافية ، وأن ما ذكر بمجرد اعتبار مقارنته التحدي يصير خاصة حقيقية.
__________________
(١) الخاصة : كلية مقولة على أفراد حقيقية واحدة فقط قولا عرضيا سواء وجد في جميع أفراده كالكاتب بالقوة بالنسبة إلى الإنسان أو في بعض أفراده كالكاتب بالفعل بالنسبة إليه فالكلية مستدركة وقولنا فقط ـ