الأول ـ أنه للتبرك والتأدب ، لا للشك (١) والتردد.
والثاني ـ أن الإيمان المنجي أمر خفي ، لا يأمن الجازم بحصوله أن يشوبه شيء من المنافيات من حيث لا يعلم ، فيفوضه إلى المشيئة.
الثالث ـ وعليه التعويل ، أنه للشك فيما هو آية النجاة ، وهو إيمان الموافاة ، لا في الإيمان الناجز. وليس معنى قولهم : العبرة بإيمان الموافاة أن الناجز ليس بإيمان حقيقة. بل إنه ليس بمنج. وكذا الكفر والسعادة والشقاوة. فالسعيد سعادة الموافاة لا يتغير إلى شقاوة الموافاة ، وإنما التغير في الناجز).
ذهب كثير من السلف ، وهو المحكي عن الشافعي (٢) (رضي الله تعالى عنه) والمروي عن ابن مسعود (رضي الله عنه) أن الإيمان يدخله الاستثناء ، فيقال : أنا مؤمن إن شاء الله تعالى. ومنعه الأكثرون ، وعليه أبو حنيفة (رضي الله عنه) وأصحابه ، لأن التصديق أمر معلوم ، لا تردد فيه عند تحققه ، ومن تردد في تحققه له ، لم يكن مؤمنا قطعا ، وإذا لم يكن للشك والتردد ، فالأولى أن يترك ، بل يقال : أنا مؤمن حقا. دفعا للإيهام. وللقائلين بصحته وجوه :
الأول ـ أنه للتبرك في ذكر الله والتأدب بإحالة الأمور إلى مشيئة الله ، والتبرؤ عن تزكية النفس والإعجاب بحالها ، والتردد في العاقبة والمآل ، وهذا يفيد مجرد الصحة ، لا إيثار قولهم : أنا مؤمن إن شاء الله على أنا مؤمن حقا ، ولا يدفع ما ذكر من دفع الإيهام ، ولا يبين وجه اختصاص التأدب والتبرك بالإيمان دون غيره من الأعمال والطاعات.
__________________
(١) الشك : هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاكّ ، وقيل الشك ما استوى طرفاه وهو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما فإذا ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن فإذا طرحه فهو غالب الظن وهو بمنزلة اليقين.
(٢) هو محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي أبو عبد الله ، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة وإليه نسبة الشافعية كافة. ولد في غزة عام ١٥٠ ه وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين وزار بغداد مرتين وقصد مصر سنة ١٩٩ فتوفي بها عام ٢٠٤ ه وقبره معروف في القاهرة. قال المبرد : كان الشافعي أشعر الناس ، وأعرفهم بالفقه والقراءات من كتبه «الأم» «والرسالة» و «المسند» في الحديث وأحكام القرآن وغير ذلك كثير. راجع تذكرة الحفاظ ١ : ٢٢٩ وتهذيب التهذيب ٩ : ٢٥ والوفيات ١ : ٤٤٧