الحساب والميزان والصراط ، وغير ذلك ، ولا نعرف كيفياتها وأوصافها ، وأهل الكتاب كانوا يعرفون النبي (عليهالسلام) كما يعرفون أبناءهم ولم يكونوا مؤمنين. وفيه نظر ، لأن المراد العلم بما حصل التصديق به ، ونحن نعلم من الأنبياء والملائكة ما نصدق به. فامتناع التصديق بدون العلم ، بمعنى الاعتقاد ، قطعي. وإنما الكلام في العكس.
فإن قيل : نحن لا ننفي كونه إيمانا وتصديقا لكنا ندعي أنه لا ينفع ، بمنزلة إيمان اليائس ، فإن عدم نفعه على ما ذكره الشيخ أبو منصور الماتريدي (١) معلل بأن العبد لا يقدر حينئذ أن يستدل بالشاهد على الغائب ليكون مقاله عن معرفة وعلم استدلالي. فإن الثواب على الإيمان إنما هو بمقابلة ما يتحمله من المشقة ، وهي في آداب الفكرة ، وإدمان النظر في معجزات الأنبياء ، أو في محدثات العالم. والتمييز بين الحجة والشبهة لا في تحصيل أصل الإيمان.
قلنا : النص إنما قام على عدم نفع إيمان اليأس ومعاينة العذاب ، دون إيمان المقلد. والإجماع أيضا إنما انعقد عليه ، والتمسك بالقياس ، لو سلم صحته في الأصول ، فلا نسلم أن العلة ما ذكرتم ، بل ذهب الماتريدي وكثير من المحققين إلى أن إيمان اليأس إنما لم ينفع لأنه إيمان دفع عذاب ، لا إيمان حقيقة ، ولأنه لا يبقى للعبد حينئذ قدرة على التصرف من نفسه والاستمتاع بها ، لأن عذاب الدنيا مقدمة لعذاب الآخرة ، إذ ربما يموت العبد فيه. فينتقل إلى عذاب الآخرة ، بخلاف إيمان المقلد ، فإنه تقرب إلى الله تعالى ، وابتغاء لمرضاته ، من غير إلجاء ولا قصد دفع العذاب ، ولا انتفاء قدرة على التصرف في النفس.
قال : وأما المانعون
(وأما المانعون فالشيخ لا يشترط التمكن من إقامة الحجة ودفع الشبهة في كل
__________________
(١) هو محمد بن محمد بن محمود ، أبو منصور الماتريدي : من أئمة علماء الكلام نسبته إلى ما تريد (محلة بسمرقند) من كتبه التوحيد ، وأوهام المعتزلة ، والرد على القرامطة ومآخذ الشرائع في أصول الفقه ، وكتاب الجدل وتأويلات القرآن وشرح الفقه الأكبر المنسوب للإمام أبي حنيفة مات بسمرقند عام ٣٣٣ ه راجع الفوائد البهية ١٩٥ ومفتاح السعادة ٢ : ٢١ والجواهر المضيئة ٢ : ١٣٠ وفهرس المؤلفين ٢٦٤ وكشف الظنون ٣٣٥ وتأويلات أهل السنة.