من القوة بحيث يتصرف في أجسام أخر غير بدنها ، بل في كلية العناصر ، حتى كأنها نفس لعالم العناصر.
والثالث : الإمساك عن القوت مدة غير معتادة ، وليس ببعيد كما في بعض الأمراض لاشتغال الطبيعة بهضم الأخلاط الفاسدة ، وتحليل المواد الردية عن تحليل المواد المحمودة والرطوبات الأصلية المحوج إلى البدل ، فيجوز في حق الأشخاص الكاملة لانجذاب نفوسهم إلى جناب القدس بالكلية ، واستتباعها القوى الجسمانية التي بها الهضم والشهوة والتغذية وما يتعلق بذلك ، بل لا يبعد أن يكون هذا من حق هؤلاء أولى وأقرب منه في المرض لكون احتياج المريض إلى الغذاء أوفر وأوفى (١)
أما أولا فلتحلل رطوباته بسبب الحرارة الغريبة المسماة بسوء المزاج (٢).
وأما ثانيا فلفرط احتياجه إلى حفظ القوى البدنية بحفظ الرطوبات التي بها تعتدل الحرارة الغريزية ، وذلك لما عرض لها بسبب المرض المضاد لها من الفتور.
وأما ثالثا فلاختصاص العارف بأمر يقتضي الاستغناء عن الغذاء ، وهو السكون البدني الحاصل بسبب ترك القوى البدنية أفاعيلها عند متابعتها النفس.
وأما تقريرهم لنزول الوحي وظهور الملك مع أنه من المجردات (٣) دون الأجسام ، فهو أن النائم ومن يجري مجراه في عدم استيلاء الحواس عليه قد يشاهد صورا غريبة ، ويسمع أصواتا عجيبة ، وليست بمعدومة صرفة ولا موجودة في الخارج ، بل في القوة المتخيلة والحس المشترك ، وربما لا يكون متأدية إليه من طرق الحواس الظاهرة ، بل من عالم آخر ، فلا يبعد أن يكون لبعض أفراد الإنسان
__________________
ـ كحلول ماء الورد في الورد فيسمى الساري حالا ، والمسرى فيه محلا.
الحلول الجواري : عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفا للآخر كحلول الماء في الكوز.
(١) في (ب) أكثر بدلا من (أوفى).
(٢) المزاج : كيفية متشابهة تحصل عن تفاعل عناصر منافرة لأجزاء مماسة بحيث تكسر سورة كل منها سورة كيفية الآخر.
(٣) المجردات : المجرد. ما لا يكون محلا لجوهر ولا حالا في جوهر آخر ولا مركبا منهما على اصطلاح أهل الحكمة.