مفردات الصورة ومركباتها القصيرة مثل : «الحمد لله» ومثل : «رب العالمين» .. وهكذا ، إلى الآخر ، فيكونون قادرين على الإتيان بمثل الصورة.
وثانيا بأن الصحابة عند جمع القرآن كانوا يتوقفون في بعض السور والآيات إلى شهادة الثقات ، وابن مسعود (رضي الله تعالى عنه) قد بقي مترددا في الفاتحة والمعوذتين ، ولو كان نظم القرآن معجزا بفصاحته لكان كافيا في الشهادة.
والجواب عن الأول بأن حكم الجملة قد يخالف حكم الأجزاء. وهذه بعينها شبهة من نفى قطيعة الإجماع والخبر المتواتر ، ولو صح ما ذكر لكان كل من آحاد العرب قادرا على الإتيان بمثل قصائد فصحائهم ، كامرئ القيس (١) وأضرابه ، واللازم قطعي البطلان ..
وعن الثاني بعد صحة الرواية وكون الجمع بعد النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) لا في زمانه ، وكون كل سورة مستقلة بالإعجاز أن ذلك كان للاحتياط ، والاحتراز عن أدنى تغيير لا يخل بالاعجاز ، وأن إعجاز كل سورة ليس مما يظهر لكل أحد بحيث لا يبقى له تردد أصلا.
وقيل : إعجازه بنظمه الغريب المخالف لما عليه كلام العرب في الخطب والرسائل والأشعار. وقيل : بسلامته عن الاختلاف والتناقض ، وقيل : باشتماله على دقائق العلوم ، وحقائق الحكم والمصالح. وقيل : بإخباره عن المغيبات ، ورد بأن حماقات مسيلمة (٢) ومن يجري مجراه أيضا على ذلك النظم ، وبأنه كثيرا ما يسلم كلام البلغاء عن الاختلاف والتناقض ، ويشتمل كلام الحكماء على العلوم والحقائق ، والإخبار عن المغيبات التي لا توجد إلا في قليل من الكتاب.
فإن قيل : لا يظهر فرق بين كون الإعجاز بنظمه الخاص ، وكونه ببلاغة النظم
__________________
(١) هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي ، من بني آكل المرار ، أشهر شعراء العرب على الإطلاق يماني الأصل مولده بنجد نحو ١٣٠ ـ ٨٠ ق ه أبوه ملك أسد وغطفان وأمه أخت المهلهل الشاعر فلقنه المهلهل الشعر فقاله وهو غلام ، وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب قتل والده وأخا بثأره ويعرف بالملك الضليل توفي عام ٤٩٧ ـ ٥٤٥ م
(٢) مسيلمة الكذاب بن تمامة بن كبير : متنبئ من المعمرين وفي الأمثال : أكذب من مسيلمة. عرف برحمان اليمامة قتل عام ١٢ ه في حروب الردة. وراجع ابن هشام ٣ : ٧٤ والروض الأنف ٢ : ٤٠