أما من التوراة فمنها ما جاء في السفر الخامس (١) : جاء الله من طور سيناء ، وأشرق من سيعير ، واستعلن من جبال فاران ، يريد الإخبار عن إنزال التوراة على موسى بطور سيناء. والإنجيل على عيسى بسيعير ، فإنه كان يسكن من سيعير بقرية تسمى ناصرة ، وأنزل القرآن على محمد بمكة. فإن فاران في طريق مكة قبل العدن بميلين ونصف ، وهو كان المنزل ، وقد بقي إلى اليوم (٢) على يسار الطريق من العراق إلى مكة. وهذا ما ذكر في التوراة أن إسماعيل أقام برية فاران ، يعني بادية العرب.
ومنها ما جاء في السفر الخامس أنه تعالى قال لموسى صلىاللهعليهوسلم : إني مقيم لهم نبيا من بني إخوتهم مثلك ، وأجري قولي في فيه ، ويقول لهم ما آمرهم به ، والرجل الذي لا يقبل قول النبي الذي يتكلم باسمي فأنا انتقم منه. والمراد ببني إخوة بني إسرائيل بنو إسماعيل (٣) على ما هو المتعارف ، فلا يصرف إلى من بعد موسى من أنبياء بني إسرائيل ، ولا إلى عيسى لأنهم لم يكونوا من بني إخوتهم ، ولا إلى موسى لكونه صاحب شريعة مستأنفة فيها بيان مصالح الدارين ، فتعين محمد صلىاللهعليهوسلم.
ومنها ما جاء في السفر الأول أنه تعالى قال لإبراهيم (عليهالسلام) : إن هاجر تلد ، ويكون من ولدها من يده فوق الجميع ، ويد الجميع مبسوطة إليه بالخشوع.
وأما في الإنجيل ، فمنها ما ورد في الصحاح الرابع عشر : أنا أطلب لكم إلى أبي حتى يمنحكم ويعطيكم فارقليطا ليكون معكم إلى الأبد. والفارقليط روح الحق واليقين.
وفي الخامس عشر : وأما فارقليط روح القدس الذي يرسله أبي باسمي ، وهو يعلمكم ويمنحكم جميع الاشياء ، وهو يذكركم ما قلته لكم ، ثم قال : وإني قد أخبرتكم بهذا قبل أن يكون حتى إذا كان ذلك تؤمنوا به. وقوله : «باسمي» يعني
__________________
(١) راجع ما كتبناه في تحقيق الجزء الثاني من كتاب (الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم) طبعة دار عكاظ (جدة) المملكة العربية السعودية.
(٢) سقط من (أ) حرف الجر (إلى).
(٣) قال تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).