مكة ، فرده أبو جهل إلى عبد المطلب. وقيل : ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب. وبالجملة لا دلالة على العصيان ، والميل عن طريق الحق. ولذا قال : (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) (١) وقوله : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) (٢).
ثم لما كان يثقل عليه ، ويغمه من فرطاته قبل النبوة ، أو من جهله بالشرائع والأحكام ، أو من تهالكه على إسلام أولي العناد وتلهفه.
وقوله : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (٣). تلطف في الخطاب ، وعتاب على ترك الأفضل ، وإرشاد إلى الاحتياط في تدبيره الخيرات. قوله : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ..) إلى قوله : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ). (٤)
عتاب على ترك الأفضل ، وهو أن لا يرضى باختيار الصحابة الفداء. وكذا الكلام في قوله : (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) (٥)
وقوله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) (٦).
وما روي من أنه قرأ بعد قوله : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (٧) «تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتها لترتجى» فلما أخبره جبريل بما وقع منه ، حزن وخاف خوفا شديدا ، فنزل قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) (٨).
تسلية له.
فالجواب : أنه كان من إلقاء الشيطان ، لا تعمدا منه. وقيل : بل الغرانيق هي الملائكة. وكان هذا قرآنا فنسخ. وقيل : معنى تمنى النبي حديث النفس. وكان الشيطان يوسوس إليه غير الهدى ، فينسخ الله وساوسه من نفسه ، ويهديه إلى الصواب.
__________________
(١) سورة النجم آية رقم ٢.
(٢) سورة الشرح آية رقم ٢.
(٣) سورة التوبة آية رقم ٤٣.
(٤) سورة الأنفال آية رقم ٦٧.
(٥) سورة التحريم آية رقم ١.
(٦) سورة عبس آية رقم ١ ، ٢.
(٧) سورة النجم آية رقم ١٩ ، ٢٠.
(٨) سورة الحج آية رقم ٥٢.