وقوله : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (١).
عتاب على أنه أخفى في نفسه عزيمة تزوج زينب عند تطليق زيد إياها خوفا من طعن المنافقين ، ولا خفاء في أن إخفاء أمر دنيوي خوفا من طعن أعداء الدين ليس من الصغائر ، فضلا عن الكبائر ، بل غايته زلة وترك الأولى.
وكذا ميلان القلب لزينب ، وأما مثل قوله :
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) (٢) (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) (٣) (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (٤) (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٥) (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ) (٦).
والجواب : أن الأمر لا يقتضي سابقة تركه ، ولا النهي سابقة فعله ، ولا الشرط وقوع مضمونه ، وبالجملة فمسألة جواز الصغيرة عمدا على الأنبياء في معرض الاجتهاد لا قاطع فيها ، لا نفيا ولا إثباتا.
فإن قيل : ما بال زلة الأنبياء حكيت بحيث تقرأ بأعلى الصوت على وجه الزمان ، مع أن الله غفار ستار ، وقد أمرنا بالستر على من ارتكب ذنبا؟
قلنا ليدل على صدق الأنبياء ، وكون ما يبلغون السيئ بأمر من الله من غير إخفاء لشيء ، أو ليكون امتحانا للأمم كيف يفعلون بأنبيائهم بعد الاطلاع على زلالتهم ، وليعلموا أن الأنبياء مع جلالة قدرهم ، وكثرة طاعاتهم كيف التجئوا إلى التضرع والاستغفار في أدنى زلة ، وأن الصغيرة ليست مما يقدح في الولاية والإيمان البتة ، أو تقع مكفرة لا محالة ، بحيث لا عتاب عليها ولا عقاب.
__________________
(١) سورة الأحزاب آية رقم ٣٧.
(٢) سورة الأحزاب آية رقم ١.
(٣) سورة الأنعام آية رقم ٥٢.
(٤) سورة البقرة آية رقم ١٤٧.
(٥) سورة الزمر آية رقم ٦٥.
(٦) سورة يونس آية رقم ٩٤.