إنما يلزم كونه مبتدأ لو لم يكن الوقت معادا ، أو لم يكن هو مسبوقا بحدوث آخر. وهذا ما يقال : إن المبتدأ هو الواقع أولا ، لا الواقع في زمان أول ، والمعاد هو الواقع ثانيا ، لا الواقع في زمان ثان (١).
الثالث : أنه لو جاز لجاز أن يوجد ابتداء ما يماثله في الماهية وجميع المشخصات ، فيلزم عدم امتياز الاثنين ، ورد بأن عدم الامتياز في نفس الأمر غير لازم وعند العقل غير مستحيل.
الرابع : أن المعدوم لا إشارة إليه (٢) ، فلا حكم عليه. ورد بعد تسليم عدم ثبوت المعدوم أن التمييز والثبوت عند العقل كاف لصحة الحكم. كما يقال : المعدوم الممكن يجوز أن يوجد).
وقال : الحكم بأن الموجود ثانيا ليس بعينه هو الموجود أولا ضروري لا يتردد فيه العقل عند الخلوص عن شوائب (٣) التقليد والتعصب. واستحسنه الإمام في المباحث حيث قال : ونعم ما قال الشيخ من أن كل من رجع إلى فطرته السليمة ، ورفض عن نفسه (٤) الميل والعصبية ، شهد عقله الصريح بأن إعادة المعدوم ممتنع. والرد بالمنع كيف وقد قال بجوازه كثير من العقلاء ، وقام البرهان (٥) عليه. ومنهم من تمسك بوجوه :
الأول ـ أنه لو أعيد المعدوم بعينه ، لزم تخلل العدم بين الشيء ونفسه ، واللازم باطل بالضرورة. ورد بمنع ذلك بحسب وقتين ، فإن معناه عند التحقيق تخلل العدم بين زماني وجود بعينه ، واتصاف ذلك الشيء ، بل وجوده السابق واللاحق نظرا إلى الوقتين لا ينافي اتحاده بالشخص ، ويكفي لصحة تخلل العدم ، كتخلل الوجود بين العدم السابق واللاحق. وجعل صاحب المواقف هذا الوجه بيانا لدعوى
__________________
(١) في (ب) تالي بدلا من (ثان).
(٢) في (ب) بزيادة لفظ (البتة).
(٣) في (ب) عوائد بدلا من (شوائب).
(٤) ليس في (ب) لفظ (عن نفسه).
(٥) قال تعالى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ).