وبما ورد في الحديث من كون أهل الجنة جردا مردا ، وكون ضرس الجهنمي مثل أحد لنا أنه أمر ممكن ، أخبر به الصادق ، إذ تواتر من نبينا القول به وورد في التنزيل ما لا يحتمل التأويل مثل :
(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) (١) (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (٢) وقوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) (٣) (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) (٤)
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث ، وحملها على التمثيل للمعاد الروحاني ترغيبا وترهيبا للعوام ، وتتميما لأمر النظام نسبة للأنبياء إلى الكذب في التبليغ ، والقصد إلى التضليل.)
الفلاسفة الطبيعيون الذين لا يعتد بهم في المسألة ، ولا في الفلسفة ، أنه لا معاد للبشر اصلا ، زعما منهم أنه هذا الهيكل المحسوس بما له من المزاج ، والقوى ، والأعراض ، وأن ذلك يفنى بالموت وزوال الحياة ، ولا يبقى إلا المواد العنصرية المتفرقة ، وأنه لا إعادة للمعدوم ، وفي هذا تكذيب للعقل على ما يراه المحققون من أهل الفلسفة ، وللشرع على ما يراه المحققون من أهل الملة. وتوقف جالينوس في أمر المعاد لتردده في أن النفس هو المزاج ، فيفنى بالموت ، فلا يعاد ، أم جوهر باق بعد الموت يكون له المعاد. واتفق المحققون من الفلاسفة ، والمليين على حقية المعاد واختلفوا في كيفيته ، فذهب جمهور المسلمين إلى أنه جسماني فقط ، لأن الروح عندهم جسم سار في البدن سريان النار في الفحم ، والماء في الورد. وذهب الفلاسفة إلى أنه روحاني فقط ، لأن البدن ينعدم بصوره وأعراضه ، فلا يعاد. والنفس جوهر مجرد باق لا سبيل إليه للفناء ، فيعود إلى عالم المجردات بقطع
__________________
(١) سورة يس آية رقم ٧٩.
(٢) سورة يس آية رقم ٥١.
(٣) سورة القيامة آية رقم ٣.
(٤) سورة ق آية رقم ٤٤.