ذلك بأن المطيع والعاصي هي هذه الجملة أو الأجزاء الأصلية ، لا الروح وحده. فلا يصل الجزاء إلى مستحقه إلا بإعادتها (١).
والجواب ـ أنه إن اعتبر الأمر بحسب الحقيقة ، فالمستحق هو الروح ، لأن مبنى الطاعة والعصيان على الإدراكات والإرادات والأفعال والحركات ، وهو المبدأ للكل. وإن اعتبر بحسب الظاهر ، يلزم أن يعاد جميع الأجزاء الكائنة من أول التكليف إلى الممات. ولا يقولون بذلك ، فالأولى التمسك بدليل السمع ، وتقريره أن الحشر والإعادة أمر ممكن أخبر به الصادق ، فيكون واقعا ، أما الإمكان فلأن الكلام فيما عدم بعد الوجود ، أو تفرق بعد الاجتماع ، أو مات بعد الحياة ، فيكون قابلا لذلك. والفاعل هو الله القادر على كل الممكنات ، العالم بجميع الكليات والجزئيات. وأما الإخبار فلما تواتر من الأنبياء ، سيما نبيناصلىاللهعليهوسلم أنهم كانوا يقولون بذلك ، ولما ورد في القرآن من نصوص لا يحتمل أكثرها التأويل مثل قوله تعالى :
(قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٢).
(فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (٣).
(فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٤) ، (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) (٥) ،
(وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) (٦) ،
(كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) (٧) ،
(يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) (٨) ،
(أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) (٩).
__________________
(١) في (ب) بزيادة لفظ (كاملة).
(٢) سورة يس آية رقم ٧٨ ، ٧٩.
(٣) سورة يس آية رقم ٥١.
(٤) سورة الإسراء آية رقم ٥١.
(٥) سورة القيامة آية رقم ٣.
(٦) سورة فصلت آية رقم ٢١.
(٧) سورة النساء آية رقم ٥٦.
(٨) سورة الذاريات آية رقم ٤٢.
(٩) سورة العاديات آية رقم ٩.