تنكر ذلك وقد رأيت من يدعى الذكاء والفطنة فى علم الحساب حكم بأن التيامن فى القبلة واجب ببلد «نيسابور» ، وأنه لا بدّ من الميل عن محرابها المتفق عليه إلى اليمين. واستدل عليه بمقدمة مسلمة وهى أن الشمس تقف وسط السماء على سمت الرأس بمكة فى أطول النهار وقت الزوال ، ثم قال : ترى الشمس فى أطول النهار وقت الزوال بنيسابور مائلة قليلا إلى يمين المستقبل فى محرابها فليعلم أنه على سمت رأس الواقف بمكة ، وأن مكة مائلة إلى اليمين. فتابعه على ذلك جماعة من الحساب ، واعتقدوا أن ذلك هو الواجب بحكم هذا الدليل ، حتى تنبهوا على محل الغلط فيه وإحلالهم بمقدمة أخرى ، وهى أن ذلك إنما يلزمه لو كان وقت الزوال بنيسابور هو وقت الزوال بمكة ؛ وليس كذلك ، بل يقع بعد ساعة ، وتكون الشمس قد أخذت إلى صوب المغرب فى جانب اليمين عرضا ، فيرى وقت الزوال مائلا عن قبلة نيسابور ، لأنه ليس وقت الزوال والغروب فى جميع المواضع متفقا ، ويعرف ذلك باختلاف ارتفاع القطبين وانخفاضهما ، بل باستتارهما وانكشافهما فى البقاع المختلفة ، فهذا الغلط وأمثاله فى الحساب أفيدل ذلك على أن النظر فى الحساب ليس طريقا موصلا إلى معرفة الحق؟ ، أو يتشكك المتنبه بعدها فيقول : لعله شذّت عنى مقدمة أخرى وأنا غافل عنها كما فى الأول ، هذا لو فتح بابه فهو السفسطة المحضة ويدعو ذلك إلى بطلان العلوم والاعتقادات كلها فكيف يبقى معه وجوب التعلم ومعرفة العصمة ، ومعرفة إبطال النظر!
وأما (الدلالة الخامسة) وهى قولهم إن صاحب الشرع صلىاللهعليهوسلم قال : «الناجى من الفرق واحدة وهم أهل السنة والجماعة» ثم قال : «ما أنا الآن عليه وأصحابى» ـ فهذا من عجيب الاستدلالات فإنهم أنكروا النظر فى الأدلة العقلية لاحتمال الخطأ فيه ، وأخذوا يتمسكون بأخبار الآحاد والزيادات الشاذة فيها ، فأصل الخبر من قبيل الآحاد ؛ وهذه الزيادة شاذة ، فهو ظن على ظن ؛ ثم هو لفظ محتمل من وجوه التأويل ما لا حصر له ، فإن ما كان عليه هو وأصحابه إن اشترط جميعه فى الأقوال والأفعال والحركات والصناعات كان محالا ؛ وإن أخذ بعضه فذلك البعض من