القلب (١) والمعارضة فى مثل هذه المقالات ؛ فإن عادتهم مديد الاعتصام إلى إشكالات لا تختص بمذهب فريق. فيحيرون عقول العوام به ويخيلون أنه من خاصة مذهب مخالفيهم ، والعامى المسكين متى يتنبه لانقلاب ذلك عليه فى مذهبه! فنقول : هذا القائل اعتقد مذهب التعليم وإبطال النظر تقليدا سماعا من أبويه ، أو سمع من الأبوين مذهبا ثم تنبه بعد ذلك لبطلانه؟ فإن قال : اعتقدته سماعا من الأبوين ، قلنا : وأولاد النصارى واليهود والمجوس وأولاد مخالفيكم فى مسألة النظر وقع نشوؤهم على خلاف معتقدكم ، فبما ذا تفرقون به بين أنفسكم وبينهم؟ أبطول اللحى أو سواد الوجوه ، أم بسبب غيره والتقليد شامل؟
وإن قلتم : لا ، بل اعتقدنا مذهبكم ثم تركنا التقليد وتنبهنا لصحة مذهب التعليم ، قلنا : تنبهتم لبطلان مذهبنا : على البديهة ، أو بنظر العقل؟ فإن كان على البديهة فكيف خفى عليكم البديهى فى أول أمركم وعلى آبائكم وعلينا ونحن العقلاء وقد طبقنا وجه الأرض ذات الطول والعرض؟ وإن عرفتم ذلك بنظركم فلم وثقتم بالنظر ولعل حالكم اللاحقة كحال السابقة ، فما الفارق؟ فإن قلتم : عرفنا من المعلم ، قلنا : إن كان تقليدا فما الفرق بين التقليد للأول ، وبين تقليدكم وتقليد طوائف المخالفين من اليهود والنصارى والمجوس والمسلمين؟ وإن فهمتم بالنظر فما الفرق بينكم وبين سائر النظار؟ وهذا مما لا جواب عنه إلا أن يقال : بالضرورة ندرك التفرقة بين ما علم يقينا لا يمكن فيه الخطأ ، وبين ما يمكن ، فهكذا جوابنا.
المثال الثانى : إن من غلط فى مسألة حسابية ثم تنبه لها : هل يتصور أن يزول شكّه بعد التنبيه؟ نجيب : أنه ليس مخطئا وأن الخطأ غير جائز عليه ؛ وإنما كان الخطأ فيما تقدم لمقدمة شذت عنه ، فإن قلتم : لا ؛ فقد أنكرتم المشاهدة. وإن قلتم : نعم ، فبما ذا تدرك التفرقة إلا بالضرورة؟! وقد انقلب الإشكال بعينه. وكيف
__________________
(١) القلب : رد الحجة عليه بمثلها.