المتفقين فى مذهب والمختلفين فيه ، فرأوا مفارقة الباطل للكثرة المضافة إلى عدد الأجوبة فى مسئلة واحدة ، فاستدلوا به على بطلان قول واحد فى مسألة واحدة اجتمع عليها جماعة كثيرة اختلفت كلمتهم فى مسائل سوى تلك المشكلة.
ولكن هذا وإن كان تلبيسا بعيدا عن المحصل فمقصود واضعه التلبيس على العوام ، وذلك مما يتوقع رواجه ، فالحيلة على العوام فى استدراجهم ليست ممتنعة على جماعة من الحمقى قد ادعوا الربوبية ؛ فكيف تتعسر عن غيرها! وأما قول الله تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢] ، فهو من هذا الطراز فى التلبيس ، فإن المراد به تناقض الكلمات فى المتكلم الواحد إذا تناقض كلامه فسد ؛ ونحن لم يتناقض كلام الواحد منا فى مسألة ، بل اجتمع طائفة على مسألة وهى إثبات النظر ، كما اجتمع طائفة على التعليم وإثباته ، ثم اختلفوا فى مسائل أخر. فأين هذا من اختلاف الكلام الواحد؟!
فإن قيل : المتعلمون إذا أجمعوا على التعليم وعلى معلّم واحد وأصغوا بأجمعهم إليه لم يكن بينهم خلاف وإن كانوا ألف ألف ، قلنا : والناظرون إذا أجمعوا على النظر فى الدليل وعلى تعيين دليل واحد فى كل مسألة ووقفوا عليها لم يتصور بينهم خلاف. فإن قلتم : فكم من ناظر فى ذلك الدليل بعينه قد خالف؟! قلنا فكم من مصغ إلى معلمكم وقد خالف؟! فإن قلتم : لأنه لم يصدقه فى كونه معصوما ، قلنا : ولأن الناظر لم يعرف وجه دلالة الدليل ، فإن قلتم : ربما يعرف وجه الدلالة ثم ينكر ، قلنا : هذا لا يتصور إلا عنادا ، كما يعتقد واحد كون الإمام المعصوم حقا ثم يخالفه فلا يكون ذلك إلا عن عناد ، ولا فرق بين المسلكين.
وأما (الدلالة الرابعة) وهى قولهم إن كان لا يدرك الناظر المساواة بينه وبين خصمه فى الاعتقاد ، فلم يدرك المساواة بين حالتيه؟ وكم من مسألة اعتقدها نظرا ثم تغير اعتقاده ، فبم يعرف أن الثانى ليس كالأول؟ قلنا : يعرف ذلك معرفة ضرورية لا يتمارى فيها. وهذا معتقدكم أيضا فى مثالين ، ولا كلام أقوى من