اعتقد فى غير معصوم أنه معصوم ـ كيف يحكم بكفره؟ نعم يحكم بحماقته واعتقاده أمرا يكاد يخالف المشاهد من الأحوال وأمرا لا يدل عليه نظر العقل ولا ضرورته.
فإن قيل : فلو اعتقد معتقد فسق أبى بكر وعمر رضى الله عنهما وطائفة من الصحابة فلم يعتقد كفرهم ، فهل تحكمون بكفره؟ ـ قلنا : لا نحكم بكفره ، وإنما نحكم بفسقه وضلاله ومخالفته لإجماع الأمة ، وكيف نحكم بكفره ونحن نعلم أن الله تعالى لم يوجب على من قذف محصنا بالزنى إلا ثمانين جلدة (١) ، ونعلم أن هذا الحكم يشتمل كافة الخلق ويعمهم على وتيرة واحدة ، وأنه لو قذف قاذف أبا بكر وعمر ـ رضى الله عنهما ـ بالزنى لما زاده على إقامة حدّ الله تعالى المنصوص عليه فى كتابه ، ولم يدعوا لأنفسهم التمييز بخاصية فى الخروج عن مقتضى العموم.
فإن قيل : فلو صرح مصرح بكفر أبى بكر وعمر ـ رضى الله عنهما ـ ينبغى أن ينزل منزلة من لو كفّر شخصا آخر من آحاد المسلمين أو القضاة والأئمة من بعدهم ـ قلنا : هكذا نقول ، فلا يفارق تكفيرهم تكفير غيرهم من آحاد الأمة والقضاة ، بل أفراد المسلمين المعروفين بالإسلام إلا فى شيئين : أحدهما فى مخالفة الإجماع وخرقه ، فإن مكفر غيرهم ربما لا يكون خارقا لإجماع معتد به ، الثانى : أنه ورد فى حقهم من الوعد بالجنة والثناء عليهم والحكم بصحة دينهم وثبات يقينهم وتقدمهم على سائر الخلق أخبار كثيرة ، فقائل ذلك إن بلغته الأخبار واعتقد مع ذلك كفرهم فهو كافر لا بتكفيره إياهم ولكن بتكذيبه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فمن كذّبه بكلمة من أقاويله فهو كافر بالإجماع ، ومهما قطع النظر على التكذيب فى هذه الأخبار وعن خرق الإجماع نزل تكفيرهم منزلة سائر القضاة والأئمة وآحاد المسلمين ، فإن قيل : فما قولكم فيمن يكفر مسلما : أهو كافر ، أم لا؟ قلنا : إن كان يعرف أن معتقده التوحيد وتصديق الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى سائر المعتقدات الصحيحة فمهما كفره بهذه المعتقدات
__________________
(١) الآية : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) [النور : ٤].