والمتمكنين إلى غير ذلك من نفى صفات التشبيه لرأوا ذلك عين التوحيد والتنزيل ، ولو أنكر الحور والقصور والأنهار والأشجار والزبانية والنار لعد ذلك من أنواع الكذب والإنكار ، ولا مساواة بين الدرجتين ، وقد نبهنا على الفرق فى باب الرد عليهم فى مذهبهم بوجهين آخرين : أحدهما أن الألفاظ الواردة فى الحشر والنشر والجنة والنار صريحة لا تأويل لها ولا معدل عنها إلا بتعطيلها وتكذيبها ، والألفاظ الواردة فى مثل الاستواء والصورة وغيرهما كنايات وتوسعات على اللسان تحتمل التأويل فى وصفه ، والآخر أن البراهين العقلية تدفع اعتقاد التشبيه والنزول والحركة والتمكن من المكان وتدل على استحالتها دلالة لا يتمارى فيها ، ودليل العقل لا يحيل وقوع ما وعد به من الجنة والنار فى الدار الآخرة ، بل القدرة الأزلية محيطة بها مستولية عليها ، وهى أمور ممكنة فى نفسها ولا تتقاصر القدرة الأزلية عمّا له نعت الإمكان فى ذاته فكيف يشبه هذا بما ورد من صفات الله تعالى؟! ومساق هذا الكلام يتقاضى بث جملة من أسرار الدين إن شرعنا فى استقصائها ورغبنا فى كشف غطائها ، وإذا ورد ذلك معترضا فى سياق الكلام غير مقصود فى نفسه فلنقتصر على هذا القدر الّذي انطوى فى هذا الفصل ، ولنشتغل بما هو الأهم من مقاصد هذا الكتاب ، وقد بينا فى هذا الفصل من يكفر منهم ومن لا يكفر ، ومن يضل ومن لا يضل.