ولذلك نعلم على القطع أنه لو صرح مصرح بإنكار الجنة والنار والحور والقصور فيما بين الصحابة لبادروا إلى قتله واعتقدوا ذلك منه تكذيبا لله ولرسوله. فإن قيل : لعلهم كانوا يفعلون ذلك ويبالغون فيه حسما لباب التصريح به ، إذ مصلحة العامة تقتضى أن لا يجرى الخطاب معهم إلا بما يليق بأفهامهم ويؤثر فى نفوسهم وإثارة دواعيهم ؛ وإذا رفعت عن نفوسهم هذه الظواهر وقصرت عقولهم عن درك اللذات العقلية أنكروا الأصل وجحدوا الثواب والعقاب ، وسقط عندهم تمييز الطاعة عن العصيان والكفر عن الإيمان.
قلنا : فقد اعترفت بإجماع الصحابة على تكفير هذا الرجل وقتله لأنه مصرح به ، ونحن لم نزد على أن المصرح به كافر يجب قتله ، وقد وقع الاتفاق عليه ؛ وبقى قولكم إن سبب تكفيرهم مراعاة مصلحة العوام ، وهذا وهم وظن محض لا يغنى عن الحق شيئا ، بل نعلم قطعا أنهم كانوا يعتقدون ذلك تكذيبا لله تعالى ولرسوله وردا لما ورد به الشرع ولم يدفعه العقل ، فإن قيل : فهلا سلكتم هذا المسلك فى التمثيلات الواردة فى صفات الله تعالى من آية الاستواء وحديث النزول ولفظ «القدم» ووضع الجبار قدمه فى النار ، ولفظ «الصورة» فى قوله عليهالسلام : «إن الله خلق آدم ـ عليهالسلام! ـ على صورته» (١) ـ إلى غير ذلك من أخبار لعلها تزيد على ألف ، وأنتم تعلمون أن السلف الصالحين ما كانوا يؤولون هذه الظواهر ، بل كانوا يجرونها على الظاهر. ثم إنكم لم تكفروا منكم الظواهر ومؤولها ، بل اعتقدتم التأويل وصرحتم به ـ قلنا : كيف تستتب هذه الموازنة والقرآن مصرح بأنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ، والأخبار الدالة عليه أكثر من أن تحصى ، ونحن نعلم أنه لو صرح مصرح فيما بين الصحابة بأن الله تعالى لا يحويه مكان ولا يحده زمان ولا يماس جسما ولا ينفصل عنه بمسافة مقدرة وغير مقدرة ولا يعرض له انتقال وجيئة وذهاب وحضور وأفول ، وأنه يستحيل أن يكون من الآفلين والمنتقلين
__________________
(١) متفق عليه.