بشر» (١). وكل ما يدرك من الجسمانيات فقد خطر على قلب بشر أو يمكن إخطاره بالقلب.
وزعم هذا القائل أن المصلحة الداعية إلى التمثيل للذات والآلام بالمألوف منها عند العوام كالمصلحة فى الألفاظ الدالة على التشبيه فى صفات الله تعالى ، وأنه لو كشف لهم الغطاء ووصف لهم جلال الله الّذي لا تحيط به الصفات والأسماء ، وقيل لهم : صانع العالم موجود ، ليس بجوهر ولا عرض ولا جسم ، ولا هو متصل بالعالم ، ولا هو منفصل عنه ، ولا هو داخل فيه ولا خارج عنه ، وأن الجهات محصورة فى ست ، وأن سائر الجهات فارغة منه ، وليس شاغلا لواحد منها فلا داخل العالم به مشغول ، ولا خارج العالم عنه مشغول ، لبادر الخلق إلى إنكار وجوده ، فإن عقولهم لا تقوى على التصديق بوجود موجود ترده الأوهام والحواس ، فذكر لهم ما يشير إلى ضروب التمثيل ليرسخ فى نفوسهم التصديق بأصل الوجود فيسارعون إلى امتثال الأوامر تعظيما له ، وإلى الانزجار عن المعاصى مهابة منه فيمن هذا منهاجه.
قلنا : أما القول : بإلهين فكفر صريح لا يتوقف فيه ، وأما هذا فربما يتوقف فيه الناظر ويقول : إذا اعترفوا بأصل السعادة والشقاوة وكون الطاعة والمعصية سبيلا إليهما فالنزاع فى التفصيل كالنزاع فى مقادير الثواب والعقاب ، وذلك لا يوجب تكفيرا فكذلك النزاع فى التفصيل. والّذي نختاره ونقطع به أنه لا يجوز التوقف فى تكفير من يعتقد شيئا من ذلك لأنه تكذيب صريح لصاحب الشرع ولجميع كلمات القرآن من أولها إلى آخرها. فوصف الجنة والنار لم يتفق ذكر مرة واحدة أو مرتين ، ولا جرى بطريق كناية أو توسع وتجوز بل بألفاظ صريحة لا يتمارى فيها ولا يستراب ، وأن صاحب الشرع أراد بها المفهوم من ظاهرها ، فالمصير إلى ما أشار إليه هذا القائل تكذيب وليس بتأويل ، فهو كفر صريح لا يتوقف فيه أصلا.
__________________
(١) حديث قدسى.