عبد الله صلىاللهعليهوسلم صادق فى كل ما جاء به من الحشر والنشر والقيامة والجنة والنار ، وهذه الاعتقادات هى التى تدور عليها صحة الدين ، فمن رآها كفرا هو كافر لا محالة ، فإن انضاف إلى هذا شيء مما حكى من معتقداتهم من إثبات إلهين وإنكار الحشر والنشر وجحود الجنة والنار والقيامة فكل واحد من هذه المعتقدات موجب للتكفير ، صدر منهم أو من غيرهم.
فإن قيل : لو اعتقد معتقد وحدانية الإله ونفى الشرك ولكنه تصرف فى أحوال النشر والحشر والجنة والنار بطريق التأويل للتفصيل دون إنكار الأصل ، بل اعترف بأن الطاعة وموافقة الشرع وكفّ النفس عن المحرمات والهوى سبب يفضى إلى السعادة ، وأن الاسترسال على الهوى ومخالفة الشرع فيما أمر ونهى يسوق صاحبه إلى الشقاوة ، ولكنه زعم أن السعادة عبارة عن لذة روحانية تزيد لذتها على اللذة الجسمانية الحاصلة من المطعم والمنكح اللذين تشترك فيهما البهائم وتتعالى عنهما رتبة الملكية (١) ، وإنما تلك السعادة اتصال بالجواهر العقلية الملكية ، وابتهاج بنيل ذلك الكمال ؛ واللذات الجسمانية محتقرة بالإضافة إليها ، وأن الشقاوة عبارة عن كون الشخص محجوبا عن ذلك الكمال العظيم محله الرفيع شأنه مع التشوق إليه والشغف به ، وأن ألم ذلك يستحقر معه ألم النار الجسمانية ، وأن ما ورد فى القرآن مثله ضرب لعوام الخلق لما قصر فهمهم عن درك تلك اللذات ـ فإنه لو تعدى النبي فى ترغيبه وترهيبه إلى غير ما ألفوه وتشوقوا إليه وفزعوا منه لم تنبعث دواعيهم للطلب والهرب ، فذكر من اللذات أشرفها عندهم وهى المدركات بالحواس من الحور والقصور إذ تحظى بها حاسة البصر ، ومن المطاعم والمناكح إذ تحظى بها القوة الشهوانية. وما عند الله لعباده الصالحين خير من جميع ما أعربت عنه العبارات ونبهت عليه ولذلك قال تعالى فيما حكى عنه النبي صلىاللهعليهوسلم «أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب
__________________
(١) الملكية : الملائكية.