الباطنية عند إيراد هذا السؤال ما جرى لعلىّ ـ رضى الله عنه! ـ من اضطراب الأحوال وتخلف أشياعه عنه فى القتال ومخالفتهم لاستصوابه فى أكثر الأقوال والأفعال ، حتى كان لا تنفك خطبة من خطبه عن شكايتهم فى الإعراض عنه والاستبداد برأيهم ، حتى كان يقول (١) : «لا رأى لمن لا يطاع»؟ فإذا كانت تقوم شوكته باتباع الأكثر من أتباعه من انتصاب من انتصب لمخالفته ، فكيف لا تقوم الشوكة فى زماننا هذا ، والحال على ما ذكرنا؟! فإن قيل : كان عليّ ـ رضى الله عنه! ـ يتولى الأمر بنفسه ويباشر الحروب ويتبرج (٢) للخلق ولا يحتجب عنهم ، قلنا : ومن الّذي شرط فى الإمامة مباشرة الأمور وتعاطيها بنفسه؟! نعم ، لا حرج عليه لو باشر بنفسه ، فإذا استغنى بجنوده وأتباعه عن المقاساة للحرب بنفسه جاز له الاقتصار على مجرد الرأى والتدبير إذا روجع فى الأمور القريبة منه ومن قطره والتفويض إلى ذوى الرأى الموثوق ببصيرتهم فى الأمور البعيدة عنه ، وهذا الآن فى عصرنا مستغنى عنه ، فقد سخر الله رجال العالم وأبطالهم لموالاة هذه الحضرة وطاعتها حتى تبدّدوا فى أقطار الدنيا ، كما نشاهد ونرى. فليس وراء هذه الشوكة أمر يشترط وجوده لصحّة الإمامة.
فإن قيل : وما بالكم تنظرون إلى هؤلاء ولا تنظرون إلى جنود المخالفين ، وهم أيضا مستظهرون بشوكة على مخالفة هذه الشوكة؟ ـ قلنا : مهما كانت الكثرة من هذا الجانب لم تقدح مخالفة المخالفين ، أفترى لم لم ينظر الباطنى إلى شوكة معاوية وعدّته ومقاومته لعلى بجنوده وأنصاره ؛ فكيف لم يشترط فى صحة الإمامة أن تصفو له جوانب الدنيا عن قذى المخالفة؟ ولو شرط هذا فى الإمامة لم تنعقد الإمامة لأحد قط من مبدأ الأمر إلى زماننا هذا؟ فقد اتضح أن المشروط من هذه الصفة موجود وزيادة.
__________________
(١) راجع «نهج البلاغة» طبعة الحلبى بالقاهرة ، المنسوب للإمام على رضى الله عنه شرح ابن أبى الحديد.
(٢) يتبرج : يبدو ويظهر.