دولته ، ويتدينون باعتقاد خلافته وإمامته ووجوب طاعته ، كما يتدينون بوجوب أوامر الله وبتصديق رسله فى رسالته ، فهذه نجدة لم يثبت مثلها لغيره ، فكيف يتمارى فى نجدته؟
فإن قيل : كيف تحصل نجدته بهم وإنا نراهم يتهجمون على مخالفة أوامره ونواهيه ، ويتعدون الحدود المرسومة لهم فيه ، وإنما تحصل الشوكة بمن يتردد تحت الطاعة على حسب الاستطاعة ؛ وهؤلاء فى حركاتهم لا يترددون إلا خلف شهواتهم ؛ وإذا هاج لهم غضب أو حركتهم شهوة أو أوغر صدورهم ضغينة لم يبالوا بالاتّباع ولم يعرفوا إلا الرجوع إلى ما جبلوا عليه من طباع السباع ، فكيف تقوم الشوكة بهم؟
قلنا : هذا سؤال فى غاية الركاكة ، فإن الطاعة المشروطة فى حق الخلق لقيام شوكة الإمام لا تزيد على الطاعة المشروطة على الأرقاء والعبيد فى حق ساداتهم ، ولا على الطاعة المفروضة على المكلّفين لله ورسوله ، وأحوال العبيد فى طاعة سيدهم وأحوال العباد فى طاعة ربهم لا تنفكّ عن الانقسام إلى موافقة ومخالفة. فلما انقسم المكلّفون إلى المطيعين والعصاة ، ولم ينسلخوا به عن إهاب الإسلام ، ولا انسلّوا به عن ربقته ما داموا معتقدين أن الطاعة لله مفروضة وأن المخالفة محرّمة ومكروهة ، فهذا حال الجدّ فى الطاعة لصاحب الأمر ، فإنهم وإن خالفوا أمرا من الأوامر الواجبة الطاعة اعتقدوا المخالفة إساءة والموافقة حسنة ، ولذلك تراهم لا يغيرون العقيدة عن الموالاة ولو قطعوا إربا ، وما من شخص يقدر مخالفته فى أمر من الأمور إلا وهو بعينه إذا انتهى إلى العتبة الشريفة صفع على الأرض خاضعا وعفّر خده فى التراب متواضعا ، ووقف وقوف أذلّ العبيد على بابه ، وانتهض ماثلا على رجليه عند سماع خطابه ، ولو نبغت نابغة فى طرف من أطراف الأرض على معاداة هذه الدولة الزاهرة لم يكن فيهم أحد إلا ويرى النضال دون حوزتها جهادا فى سبيل الله نازلا منزلة جهاد الكفار ، فأية طاعة فى عالم الله تزيد على هذه الطاعة! وأية شوكة فى الدنيا تقابل هذه الشوكة! وليت شعرى لم لا يتذكر