ألف ليلة لعدّ سفيها خارجا عن حزب العقلاء. فالدنيا معشوقة كلّفنا الصبر عنها مدة يسيرة ، ووعدنا أضعاف هذه اللذات مدة لا آخر لها ، وترك الألف بالواحد ليس من العقل ، واختيار الألف على الواحد المعجّل ليس بمتعذر على العاقل ، وعند هذا ينبغى أن يقيس الإنسان أقصى مدة مقامه فى الدنيا وهى مائة سنة مثلا ، ومدة مقامه فى الآخرة ولا آخر لها ، بل لو طلبنا مثالا لطول مدة الأبد لعجزنا عنه. إلا أن نقول : لو قدرنا الدنيا كلها إلى منتهى السموات ممتلئة بالذرة ، وقدرنا طائرا يأخذ بمنقاره فى كل ألف سنة حبة واحدة فلا يزال يعود حتى لا يبقى من الذرة حبة واحدة فتنقضى هذه المدة وقد بقى من الذرة أضعافها ، فكيف لا يقدر العاقل إذا حقق على نفسه هذا الأمر على أن يستحقر الدنيا ويتجرد لله تعالى! هذا لو قد قدّر بقاء العمر مائة سنة ، وقدرت الدنيا صافية عن الأقذاء ؛ فكيف والموت بالمرصاد فى كل لحظة ، والدنيا غير صافية من ضروب التعب والعناء! وهذا أمر ينبغى أن يطول التأمل فيه حتى يترسخ فى القلب ، ومنه تنبعث التقوى. وما لم يظهر للإنسان حقارة الدنيا لا يتصور منه أن يسعى للدار الأخرى ، وينبغى أن يستعان على معرفة ذلك بالاعتبار بمن سلف من أبناء الدنيا كيف تعبوا فيها ثم ارتحلوا عنها بغير طائل ؛ ولم تصحبهم إلا الحسرة والندامة. ولقد صدق من قال من الشعراء حيث قال :
أشد الغمّ عندى فى سرور |
|
تيقن عنه صاحبه انتقالا |
وهذه حال لذات الدنيا.
الوظيفة الثالثة : أن معنى خلافة الله على الخلق إصلاح الخلق. ولن يقدر على إصلاح أهل الدنيا من لا يقدر على إصلاح أهل بلده ؛ ولن يقدر على إصلاح أهل البلد من لا يقدر على إصلاح أهل منزله ؛ ولا يقدر على إصلاح أهل منزله من لا يقدر على إصلاح نفسه ؛ ومن لا يقدر على إصلاح نفسه فينبغى أن تقع البداية بإصلاح القلب وسياسة النفس ؛ ومن لم يصلح نفسه وطمع فى إصلاح غيره كان مغرورا كما قال الله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٤٤].