وحكى أنه دخل رجل عل عبد الملك بن مروان وكان يوصف بحسن العقل والأدب. فقال له : عظنى! فقال : «يا أمير المؤمنين! إن للناس فى القيامة جولة لا ينجو من غصص مرارتها ومعاينة الردى فيها إلا من أرضى الله بسخط نفسه». قال : فبكى عبد الملك بن مروان ، ثم قال : «لا جرم لأجعلن هذه الكلمات مثالا نصب عينى ما عشت أبدا ؛ وحكى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال لأبى حازم : عظنى! قال : «اضطجع ثم اجعل الموت عند رأسك ، ثم انظر ما تحب أن يكون فيك تلك الساعة فخذ به الآن ؛ وما تكره أن يكون فيك تلك الساعة فدعه الآن ، فلعل الساعة قريبة».
وحكى أن أعرابيا دخل على سليمان بن عبد الملك ، فقال له : تكلم يا أعرابى! فقال : «يا أمير المؤمنين! إنى لمكلمك بكلام فاحتمله ؛ وإن كرهته فإن وراءه ما تحب إن قبلته ، فقال : يا أعرابى! إنّا لنجود بسعة الاحتمال على من نرجو نصحه ونأمن غشه ، فقال الأعرابى : إنه قد تكنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم فابتاعوا دنياهم بدينهم ، ورضاك بسخط ربهم ؛ خافوك فى الله ، ولم يخافوا الله فيك ؛ حرب للآخرة ، سلم للدنيا ، فلا تأمنهم على ما امتحنك الله عليه ، فإنهم لن يألوا فى الأمانة تضييعا وفى الأمة خسفا وعسفا ؛ وأنت مسئول عما اجترحوا وليسوا بمسئولين عما اجترحت ؛ فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره. فقال سليمان : أما أنت يا أعرابى قد سللت لسانك وهو أقطع من سيفك! قال : أجل! يا أمير المؤمنين! ولكن عليك ، لا لك.
وقد حكى أن صالح بن بشير (١) دخل على المهدى وجلس معه على الفراش ، فقال له المهدى : عظنى! قال : «أليس قد جلس هذا المجلس أبوك وعمك قبلك؟» قال : نعم! قال : «فكانت لهم أعمال ترجو لهم بها النجاة من الله تعالى؟» قال :
__________________
(١) صالح بن بشير المرى ، واعظ البصرة ؛ روى عن الحسن البصرى وجماعة. توفى سنة ١٧٢ ه أو ١٧٦ ه.