وحكى عن سليمان بن عبد الملك أنه تفكر يوما فقال : كيف تكون حالى وقد ترفهت فى هذه الدنيا؟ فأرسل إلى أبى حازم وقال : تبعث إلى بذلك الّذي تفطر عليه بالعشاء ، فأنفذ إليه شيئا من النخالة المقلية. قال : أبل هذا بالماء فأفطر به فهو طعامى ، فبكى سليمان وعمل ذلك فى قلبه وصام ثلاثة أيام ما ذاق شيئا حتى فرغ بطنه من مأكولاته ، ثم أفطر فى اليوم الثالث بتلك النخالة. فقضى أن قارب أهله (١) تلك الليلة فولد له عبد العزيز بن سليمان. ومن عبد العزيز عمر (٢) فهو واحد زمانه ، وذلك من بركة تلك النية الصادقة.
وحكى أنه قيل لعمر بن عبد العزيز : ما كان بدء توبتك؟ قال : أردت ضرب غلام فقال لى : يا عمر! اذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة ؛ وحكى أن زاهدا كتب إلى عمر ابن عبد العزيز وقال فى كتابه : اعتصم بالله يا عمر اعتصام الغريق بما ينجيه من الغرق ؛ وليكن دعاؤك دعاء المنقطع المشرف على الهلكة ، فإنك قد أصبحت عظيم الحاجة شديد الإشراف على المعاطب.
وقد حكى عن هارون الرشيد أنه قال للفضيل : عظنى! قال : بلغنى أن عمر بن عبد العزيز شكا إليه بعض عماله ، فكتب إليه : «يا أخى! اذكر سهر أهل النار فى النار مع خلود الأبد بعد النعيم والظلال ، فإن ذلك يطرد بك إلى ربك نائما ويقظان ، وإياك أن يتصرف بك من عند الله فتكون آخر العهد منقطع الرجاء». فلما قرأ الكتاب قدم على عمر فقال له : ما أقدمك؟ قال : «خلع قلبى كتابك ، لا وليت ولاية حتى ألقى الله تعالى».
وقد حكى عن إبراهيم بن عبد الله الخراسانى أنه قال : حججت مع أبى سنة حج الرشيد ، فإذا نحن بالرشيد وهو واقف حاسر حاف على الحصباء ، وقد رفع يديه وهو يرتعد ويبكى ويقول : «يا رب! أنت أنت ، وأنا أنا ؛ أنا العواد إلى الذنب وأنت العواد إلى المغفرة اغفر لى!» فقال لى : يا بنى! انظر إلى جبار الأرض كيف يتضرع إلى جبار السماء!
__________________
(١) قارب أهله : جامع زوجته.
(٢) هو غير عمر بن عبد العزيز بن مروان.