سليمان : يا أبا حازم! أى عباد الله أكرم؟ قال : «أهل المروءة والتقى». قال : أى الأعمال أفضل؟ قال : «أداء الفرائض مع اجتناب المحارم». قال : فأى الدعاء أسمع؟ قال : «دعاء المحسن إليه للمحسنين». قال : فأىّ الصدقة أزكى؟ قال : «صدقة على السائل الناس ، وجهد المقل ليس فيها منّ ولا أذى». قال : فأى القول أعدل؟ قال : «قول الحق عند من يخاف ويرجى». قال : فأى المؤمنين أكيس؟ قال : رجل عمل بطاعة الله تعالى وذكر الناس عليها». قال : فأى المؤمنين أفسق؟ قال : «رجل أخطأ فى هوى أحبه وهو ظالم باع آخرته بدنيا غيره». قال سليمان : فما تقول فيما نحن فيه؟ فقال : «يا أمير المؤمنين! أو تعفينى؟» قال : لا ، ولكن نصيحة تلقيها إلى. قال : «يا أمير المؤمنين! إن آباءك قهروا الناس بالسيف وأخذوا هذا الملك عنوة من غير مشورة من المسلمين ولا رضى أحد ، حتى قتلوا ، وقد قتلوا قتلة عظيمة. وقد ارتحلوا. فلو شعرت ما قالوا وما قيل لهم!» فقال له رجل من جلسائه : بئس ما قلت! قال أبو حازم : «إن الله تعالى أخذ الميثاق على العلماء ليبيننّه للناس ولا يكتمونه» فقال : كيف لنا أن نصلح هذا الفساد؟ فقال : «أن تأخذه من حله ، وتضعه فى حقه». فقال : ادع لى! قال أبو حازم : «اللهم إن كان سليمان وليك فيسره لخير الدنيا والآخرة ؛ وإن كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى». فقال سليمان : أوصنى! قال : «أوصيك وأوجز : عظّم ربك ، ونزهه أن يراك حيث نهاك ، أو يفقدك حيث أمرك».
وقد حكى عن أبى قلابة (١) أنه دخل على عمر بن عبد العزيز فقال له : يا أبا قلابة! عظنى! فقال : «يا أمير المؤمنين! إنه لم يبق من لدن آدم صلىاللهعليهوسلم إلى يومنا هذا خليفة غيرك». قال له : زدنى! قال : «أنت أول خليفة يموت؟». قال : زدنى! قال إذا كان الله معك فمن تخاف؟ إذا كان عليك فمن ترجو» قال : حسبى!
__________________
(١) أبو قلابة الجرمى : «عبد الله بن زيد البصرى الإمام ؛ طلب للقضاء فهرب ، ونزل الشام فنزل بداريا.
وكان رأسا فى العلم والعمل. سمع من سمرة وجماعة. ومناظرته مع علماء عصره فى القسامة بحضرة عمر بن عبد العزيز ـ مشهورة فى الصحيح» وتوفى سنة ١٠٤ ه وقيل سنة ١٠٧ ه ، وقال ابن معين سنة ست أو سبع.