عبد العزيز : أما بعد! فإن الهول الأعظم ومقطعات الأمور كلهن أمامك ، لم تقطع منهن شيئا ، فلذلك فاعدد ومن شرّها فاهرب. والسلام عليك!».
وقد حكى أن بعض الزهاد دخل على بعض الخلفاء فقال له : عظنى! فقال له : «يا أمير المؤمنين! كنت أسافر الصين فقدمتها مدة وقد أصيب ملكها بسمعه ، فبكى بكاء شديدا وقال : أما إنى لست أبكى على البلية النازلة ولكنى أبكى لمظلوم على الباب يصرخ فلا يؤذن له ولا أسمع صوته ؛ ولكنى إن ذهب سمعى فإن بصرى لم يذهب ، نادوا فى الناس : لا يلبس أحد ثوبا أحمر إلّا متظلم ، ثم كان يركب الفيل فى نهاره حتى يرى حمرة بباب المظلومين. فهذا يا أمير المؤمنين مشرك بالله تعالى غلبت عليه رأفته ورحمته على المشركين وأنت مؤمن بالله تعالى من أهل بيت نبيه صلىاللهعليهوسلم ، كيف لا تغلب رأفتك بالمؤمنين!».
وحكى أيضا أن سليمان بن عبد الملك قدم المدينة وهو يريد مكة. فأقام بها أياما. فأرشد إلى أبى حازم (١) ، فدعاه. فلما دخل عليه قال له سليمان : «يا أبا حازم! ما لنا نكره الموت ونحب الحياة؟!» فقال : «لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم الدنيا ، فكرهتم أن تنقلوا من العمران إلى الخراب» فقال : يا أبا حازم! كيف القدوم على الله تعالى غدا؟ قال : «يا أمير المؤمنين! أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله ؛ وأما المسىء فكالآبق (٢) يقدم على مولاه!» فبكى سليمان وقال : ليت شعرى ما لى عند الله غدا. قال أبو حازم : «اعرض عملك على كتاب الله تعالى حيث يقول : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار : ١٣ ـ ١٤]. قال سليمان : فأين رحمة الله؟ قال : (قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦]. ثم قال
__________________
(١) أبو حازم سلمة بن دينار المخزومى المدنى الأعرج ، «عالم المدينة وزاهدها وواعظها ؛ سمع سهل بن سعد وطائفة. وكان أشقر فارسيا ، وأمه رومية ، وولاؤه لبنى مخزوم. قال ابن خزيمة : ثقة ، لم يكن فى زمانه مثله. له حكم ومواعظ» توفى سنة ١٤٠ ه «وقال عنه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ما رأيت أحدا الحكمة أقرب إلى فيه من أبى حازم».
(٢) الآبق : العبد الهارب.