المتلقاة من الأئمة الهداة ، اتحدت عند مفارقة الجسم بالعالم الروحانى الّذي منه انفصالها وتسعد بالعود إلى وطنها الأصلي ، ولذلك سمى رجوعا فقيل : (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) [الفجر : ٢٨] وهى الجنة ، وإليه وقع الرمز بقصة آدم وكونه فى الجنة ثم انفصاله عنها ونزولها إلى العالم السفلانى ثم عوده إليها بالآخرة.
وزعموا أن كمال النفس بموتها ، إذ به خلاصها من ضيق الجسد والعالم الجسمانى ، كما أن كمال النطفة فى الخلاص من ظلمات الرحم والخروج إلى فضاء العالم ، والإنسان كالنطفة ، والعالم كالرحم ، والمعرفة كالغذاء. فإذا نفذت فيه صارت بالحقيقة كاملة وتخلصت ، فإذا استعدت لفيض العلوم الروحانية ، باكتساب العلوم من الأئمة وسلوك طرقها المفيدة بإرشادهم استكملت عند مفارقة الجسد ، وظهر لها ما لم يظهر. ولذلك قال عليهالسلام : [الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا] (١).
وكلما ازدادت النفس عن عالم الحسيات بعدا ازدادت للعلوم الروحانية استعدادا ، وكذلك إذا ركدت الحواس بالنوم اطلعت على عالم الغيب ، واستشعرت ما سيظهر فى المستقبل : إما بعينه ، فيغنى عن المعبر ، أو بمثال فيحتاج إلى التعبير ، فالنوم أخو الموت ، وفيه يظهر علم ما لم يكن فى اليقظة ؛ فكذا بالموت تنكشف أمور لم تخطر على قلب بشر فى الحياة ، وهذا للنفوس التى قدستها الرياضة العملية والعلمية ، فأما النفوس المنكوسة المغمورة فى عالم الطبيعة المعرضة عن رشدها من الأئمة المعصومين فإنها تبقى أبد الدهر فى النار ، على معنى أنها تبقى فى العالم الجسمانى تتناسخها الأبدان (٢) ، فلا تزال تتعرض فيها
__________________
(١) الحديث رواه البخارى ومسلم ، وبصيغ مختلفة.
(٢) التناسخ أو التقمص ، مذهب فلسفى قديم ، قال به الهنود والصينيون ؛ ودرج عليه بعض دعاة الباطنية من الإسماعيلية وغيرهم. فالذى يتحلل من الجسم الإنسانى ماديته الترابية ، أما الروح فإنها تنتقل إلى ذات أخرى.