هذا ، فخذ كل لفظ ذكروه ، وخذ ما تريده ، واطلب منهما المشاركة بوجه ما ، وتأوله عليه فيكون دليلا بموجب قولهم كما عرّفتك فى المناسبة بين الملك والعقل ، والدماغ والبيت ، والصورة والإمام. وإذا انفتح لك الباب اطلعت على وجه حيلهم فى التلبيس بنزع موجبات الألفاظ وتقدير الهوسات بدلا عنها ، للتوصل إلى إبطال الشرع. وهذا القدر كاف فى إبطال تأويلهم.
(المسلك الثالث) وهو التحقيق : أن تقول : هذه البواطن والتأويلات التى ذكرتموها ، لو سامحناكم أنها صحيحة فما حكمها فى الشرع؟ أيجب إخفاؤها ، أم يجب إفشاؤها؟ فإن قلتم : يجب إفشاؤها إلى كل أحد ـ قلنا : فلم كتمها محمد صلىاللهعليهوسلم فلم يذكر شيئا من ذلك للصحابة ولعامة الخلق حتى درج ذلك العصر ولم يكن لأحد من هذا الجنس خبر؟ وكيف استجاز كتمان دين الله ، وقد قال تعالى : (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران : ١٨٧] ـ تنبيها على أن الدين لا يحل كتمانه ، وإن زعموا أنه يجب إخفاؤه فنقول : ما أوجب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم إخفاؤه من سر الدين ، كيف حل لكم إفشاؤه؟ والجناية فى السر بالإفشاء ممن اطلع عليه من أعظم الجنايات. فلو لا أن صاحب الشرع عرف سرا عظيما ومصلحة كلية فى إخفاء هذه الأسرار لما أخفاها ولما كرر هذه الظواهر على أسماع الخلق ولما تكررت فى كلمات القرآن صفة الجنة والنار بألفاظ صريحة مع علمه بأن الناس يفهمون منه خلاف الباطن الّذي هو حق ، ويعتقدون هذه الظواهر التى لا حقيقة لها. فإن نسبتموه إلى الجهل بما فهمه الخلق منه فهو نسبة إلى الجهل بمعنى الكلام ، إذ كان النبي صلىاللهعليهوسلم يعلم قطعا أن الخلق لا يفهمون من قوله : (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ) [الواقعة : ٣٠ ـ ٣٢] إلا المفهوم منه فى اللغة ـ فكذا سائر الألفاظ ؛ ثم مع علمه بذلك كان يؤكده عليهم بالتكرير والقسم ، ولم يفش إليهم الباطن الّذي ذكرتموه لعلمه بأنه سرّ الله المكتوم ، فلم أفشيتم هذا السر وخرقتم هذا الحجاب؟ وهل هذا إلا خروج عن الدين ومخالفة لصاحب الشرع ، وهدم لجميع ما أسسه؟! إن سلم لكم جدلا أن ما ذكرتموه من الباطن حق عند الله ـ وهذا لا