فأوتى ما لم يؤت غيره ؛ واشتهر ذكره ، وذاع صيته ؛ وأصبح علما يشار إليه بالبنان.
يقول الحافظ عبد الغفار إسماعيل :
(وجد واجتهد حتى تخرج فى مدة قريبة وبز الأقران ، وحمل القرآن ، وصار أنظر أهل زمانه وأوحد أقرانه ، وكان الطلبة يستفيدون منه ، ويدرس لهم ويرشدهم ، ويجتهد فى نفسه ، وبلغ به الأمر إلى أن أخذ فى التصنيف).
إلى بغداد. إلى المدرسة النظامية :
وكان الوزير نظام الملك الحسن بن على الطوسى عالى الهمة واسع المعرفة أنشأ العديد من المدارس ، ودور العلم ، فلما التقى بالإمام الغزالى وسبر غوره ، أعجب به وقدمه ، ثم وجهه إلى بغداد ؛ وكانت المدرسة النظامية أشبه بالجامعات فى مستواها ورقيها.
وهناك قام بالتدريس. فالتف حوله كبار العلماء ، وطلاب المعرفة ، ينهلون من علمه الجم ، وغزير معرفته.
وبلغ الإمام الغزالى فى تلك الأيام قمة المجد ، وأتته الدنيا خاضعة ذليلة ، أتته بالمال والشهرة وذيوع الاسم ، كما أتته بالجاه ، ونفوذ الكلمة.
التحول :
يقول الإمام الغزالى رحمهالله فى كتابه المنقذ من الضلال :
(... ثم لاحظت أحوالى ، فإذا أنا منغمس بالعلائق ، وقد أحدقت بى من كل الجوانب ، ولاحظت أعمالى ـ وأحسنها التدريس والتعلم ـ فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمّة ، ولا نافعه فى طريق الآخرة).
(فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا ، ودواعى الآخرة ، قريبا من ستة أشهر ، أولها شهر رجب سنة ثمان وثمانية وأربعمائة (٤٨٨ ه) ؛ وفى هذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيار إلى الاضطرار ، إذ قفل الله على لسانى حتى اعتقل عن