بنفسه فى النظريات ، فإن أنكرتم ذلك فقد أنكرتم العقول بديهة ، إذ لم يترشح المدرسون والمعلمون إلا للتعليم ، فلم تصدوا مع الاستغناء عنهم؟ وإن اعترفتم بذلك فقد اعترفتم بوجوب المعلم ، وأن العقول ليس فى مجردها غنية فبقى أنكم جوزتم التعلم من كل أحد ، وهم أوجبوا التعلم من معصوم ، لأن مذاهب المعلمين مختلفة ومتعارضة ولا ترجيح للبعض على البعض.
قلنا : وهذا السؤال أيضا فاسد ، فإنّا لا ننكر الحاجة إلى التعلم ، بل العلوم منقسمة إلى ثلاثة أقسام : قسم لا يمكن تحصيله إلا بالسماع والتعلم كالإخبار عما مضى من الوقائع ومعجزات الأنبياء وما يقع فى القيامة وأحوال الجنة والنار. فهذا لا يعرف إلا بالسماع من النبي المعصوم ، أو بالخبر المتواتر عنه ، فإن سمع بقول الآحاد حصل به علم ظنى لا يقينى.
هذا قسم ، والقسم الآخر من العلوم النظرية العقلية فليس فى الفطرة ما يرشد إلى الأدلة فيه ، بل لا بدّ فيه من التعلم لا ليقلد المعلم فيه ، بل لينبهه المعلم على طريقه ، ثم يرجع العاقل فيه إلى نفسه فيدركه بنظره. وعند هذا فليكن المعلم من كان ولو أفسق الخلق وأكذبهم ، فإنّا لسنا نقلّده بل نتنبه بتنبيهه فلا نحتاج فيه إلى معصوم ، وهى كالعلوم الحسابية والهندسية لا تعلم بالفطرة وتحتاج إلى المعلم ، ونستغنى عن معلم معصوم بل يتعلم طريق البرهان ويساوى المتعلم المعلم بعد النظر فى العقليات عندنا فالحسابيات عندهم ، وكم من شخص يغلط فى الحسابيات ، ثم يتنبه بالآخرة بعد زمان ؛ وذلك لا يشكك فى الأدلة والبراهين الحسابية ولا يحتمل الافتقار فيها إلى معلم معصوم.
القسم الثالث : العلوم الشرعية الفقهية ، وهو معرفة الحلال والحرام والواجب والندب ، وأصل هذا العلم السماع من صاحب الشرع ، والسماع منه يورث العلم ، إلا أن هذا لا يمكن تحصيل العلم القطعى فيه على الإطلاق فى حق كل شخص وفى كل واقعة ، بل لا بدّ من الاكتفاء بالظن فيه ضرورة فى طريقين : أحدهما فى