كم يغلط الإنسان فى الحساب ثم يتنبه! وإذا تنبه أدرك التفرقة ضرورة بين حالة الإصابة والخطأ.
فإن قال قائل من الباطنية : نحن ننكر النظر جملة ، وما ذكرتم ليس من النظريات فى شيء ، بل هى مقدمات ضرورية قطعية رتّبناها ، قلنا : فأنتم الآن لم تفهموا معنى النظر الّذي نقول به : فلسنا نقول إلا بمثل ما نظمتموه من المقدمات الضرورية الحقيقية كما سنبينها ، فكل قياس لم يكن بنظم مقدمات ضرورية ، أو بنظم مقدمات مستنتجة من ضرورية فلا حجة فيه ، فهذا هو القياس المعقول ، وإنما ينتظم أبدا من مقدمتين : إما مطلقة ، وإما تقسيمية ، وقد تسمى حملية وشرطية ، أما المطلقة فكقولنا : العالم حادث ، وكل حادث فله سبب. فهاتان مقدمتان : الأولى حسية ، والثانية ضرورية عقلية ، ونتيجته : أن لحوادث العالم إذا سببا. وأما التقسيمية فهو أنا نقول : إذا ثبت أن لحوادث العالم سببا فالسبب المفروض إما حادث وإما قديم. فإن بطل كونه حادثا ثبت كونه قديما ، ثم نبطل كونه حادثا بمثل هذه المقاييس فيثبت بالآخرة أن لوجود العالم سببا قديما ؛ فهذا هو النظر المقول به ، فإن كنتم متشككين فى صحته فبم تنكرون من يمتنع من قبول مقدماتكم التى نظمتموها ويقول : أنا متشكك فى صحتها؟ فإن نسبتموه إلى إنكار الضرورة نسبناكم إلى مثله فيما ادعينا معرفته بالنظر ؛ ولا فرق.
هذا هو المنهج الجملى فى الرد عليهم ، إذا أبطلوا نظر العقول ، وهو الجزم الواجب فى إفحامهم ، فلا ينبغى أن نخوض معهم فى التفصيل ، بل نقتصر على أن نقول لهم : كل ما ذا عرفتموه من مذهبكم : من صدق الإمام وعصمته وبطلان الرأى ووجوب التعليم ـ بما عرفتموه؟ ودعوى الضرورة غير ممكنة فيبقى النظر والسماع. وصدق السمع أيضا لا يعرف ضرورة فيبقى النظر وهذا لا مخرج عنه.
فإن قال قائل : لا يظن بعاقل يدعى مذهبا ليس ضروريا ثم ينكر النظر ، فلعلهم يعترفون بالنظر ، إلا أنهم يقولون : تعلم طريق النظر واجب ، فإن الإنسان لا يستقل