يَبْذُلَ الوُسْعَ فى الطاعه ويتكلَّف فى ذلك أقْصَى الطَّاقه ... (١)
وأنا واصفٌ لفضائل هذا الكتاب ومُعَدِّد لمحاسنه ومُنَبِّهٌ على ما أَوْدَعْتُه من جسيم الفائدة ومُبَيِّنٌ ما بان به من سائر كُتُب اللغة حتى صار له كالفَصْل الذى تتباين به الأنواع مِنْ تحتِ الجنس وذاكرٌ ما راعيتُ فيه من ركوب أساليب التحرّى وحفظِ نظام الصدق وإينار الحق ومُبَيِّنٌ قبلَ ذلك لِمَ وضعتُه على عير التجنيس بأنى لَمَّا وضعتُ كتابى الموسومَ بالمُحْكَمِ مُجَنَّسا لِادُلَّ الباحث على مَظِنَّة الكلمة المطلوبة أردتُ أن أَعْدِلَ به كتابا أضَعُهُ مُبَوَّباً حين رأيتُ ذلك أجْدَى على الفصيح المِدْرَه والبليغِ المُفَوَّه والخَطيبِ المِصْقَع والشاعرِ المُجيدِ المِدْقَع فانه اذا كانت للمسمى أسماءٌ كثيرة وللموصوف أوصاف عديدة تَنَقَّى الخطيبُ والشاعرُ منها ما شاءا واتَّسَعا فيما يحتاجان اليه من سَجْع أو قافية على مثال ما نجده نحن فى الجواهر المحسوسة كالبساتين تَجْمَعُ أنواع الرياحين فاذا دَخَلَها الانسانُ أهْوَتْ يدُه الى ما اسْتَحْسَنَتْه حاسَّتا نَظَرِه وشَمِّه
فأمّا فضائلُ هذا الكتاب مِنْ قِبَلِ كيفيةِ وَضْعِه فمنها تقديمُ الأعم فالأعم على الأخص فالأخص والاتيانُ بالكُلّيِات قبل الجزئيات والابتداءُ بالجواهر والتَّقْفيَةُ بالأعراض على ما يَسْتَحِقُّه من التقديم والتأخير وتقديمُنا كَمْ على كَيْف وشِدَّةُ المُحَافظة على التقييد والتحليل مثال ذلك ما وَصَفْتُه فى صَدْر هذا الكتاب حين شَرَعْتُ فى القول على خَلْقِ الانسان فبدأتُ بتَنَقُّلِه وتكوّنه شيأفشيأ ثم أردفتُ بكُلّيِة جَوْهره ثم بطوائفه وهى الجواهر التى تَأْتَلفُ منها كليتُه ثم ما يَلْحَقُه من العِظَمِ والصِّغَر ثم الكيفياتِ كالألوان الى ما يَتْبَعُها من الأعراض والخصالِ الحميدة والذميمة
على المصنفين فى اللغة قبلى لأنهم اذا أعْوَزَتْهم الترجمةُ لاذُوا بأن يقولوا باب نوادر وربما أدخلوا الشئ تحت ترجمة لاتُشاكِلُه وأبدلوا الحرف بحرف لا يُؤَاهِلُه وكتابُنا مِنْ كلِّ ذلك بِحَيْثُ الشَّمْسُ مِنَ العَيْب والنَّجْمُ مِنَ الهَرَمِ والشَّيْب ومن طَرِيفِ ما أوْدَعْتُه إياه بغاية الاستقصاء ونهاية الاستقراء وإجادة التعبير والتأنُّق فى محاسن التحبير والممدود (٢) والمقصور والتأنيث والتذكير وما يجىء من الاسماء والافعال على بناءين وثلاثة فصاعِداً وما يبدل من حروف الجر بعضها مكان بعض وما يصل من
ومن ذلك اضافة الجامد الى الجامد والمنصرف الى المنصرف والمشتق الى المشتق والمرتجل
__________________
(١) هنا بياض بالأصل في عدة مواضع من هذه الصحيفة كما ترى
(٢) قوله (والممدود) هكذا في الأصل الذي بيدنا ولم يتقدم ما يصلح لعطف الممدود عليه فلعل في الكلام سقطا أو الواو من زيادة الناسخ فليرجع إلى الأصل الصحيح كتبه مصححه