الى الامْرِ بِجَمْعِ هذا الكتابِ أنه لما نَظَرَ الحُكماءِ وتَعَقَّبَ تَعَقُّبَ العُلَماءِ رَأَى العِلْمَ أعْلَى طبقاتِ الفَضائلِ النَّفْسانيَّه وقَبُولَ تَعَلُّمِهِ جُزْأً من أجزاءِ حَدِّ الانْسانيَّه ووَجَدَهُ أَنْفَسَ عِلْقٍ نُوفِسَ فيه فَنَبَثَ عن ذَخائِره ونَهِمَ على مَحاسِنه فهذا ما نَتَج له لُطْفُ حِسِّه وشَرَفُ نَفْسِه وصَفاءُ جَوْهَرِ طَبْعِه واعْتِدالُ كَيْفيةِ وَضْعِه ثم قَرَنَ الى ما أَبْدَتْ اليه النَّفْسُ اعْتِبارَ ما رُوِىَ له من حديثِ الرسولِ صلىاللهعليهوسلم ونُمِىَ اليهِ من آحادِ عُلَماءِ أصحابِه رضى الله عنهم كقوله صلىاللهعليهوسلم إنّ العلْمَ يَشْفَعُ لِصاحِبِه يوم القيامة وقولِ علىٍّ رضى الله عنه قِيمةُ كُلِّ امْرِئٍ ما يُحْسِنُ فلما ثَلَجَتْ نَفْسُه بتَيَقُّنِ ذلك وشَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لقَبولهِ لم تَزَلِ العنايةُ بالعِلْم قَصْدَه ومُجالَسَةُ المَهَرة مِنْ حَمَلتِه وَكُدَه حتَّى فاق كلَّ بارعٍ فُلَقَه وناطقٍ قُولَه فأخْرجَ العِلْمَ من الفساد الى الكون ومن العدم الى الوجود كما فعل ذلك فى غيره من أجزاء الفضائل التى أعْلَقَتْ به القلوبَ وأصْبَتْ اليه النفوسَ كالكرم والعدل والعفو والتجاوز وحسن السياسة والرِّفْق والرَّحْمة وإيساع الصَّفْح وبَثِّ الفَضْل والاعراض عن الجهل ثم إنه أيَّده اللهُ لَمَّا تَصَفَّحَ هذا اللسانَ العربىَّ رأى العلم به مُعِيناً على جميع العلوم عامَّة وعلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه خاصَّة فأراد حَصْرَ ما حَكَتْ منه ثِقاتُ الأئمةِ عن فُصَحاء العرب وتأمَّلَ ما صَنَّفَتْه فى ذلك أعيانُ رُواتِهم ومشاهيرُ ثِقاتِهم فَجَلَتْ له دِقَّةُ نظِره عن مثلِ ما جَلَتْ لى مِنْ إغفالهم لِما ذَكرتُ وهو أنهم لم يَضَعُوا فى ذلك كتابا جامعا ولا أبانوا موضوعاتِ الاشياء بحقائقها ولا تَحَرَّزُوا من سُوءِ العبارة وإبانةِ الشئ بنفسه وتفسيرهِ بما هو أغربُ منه فهامت به هِمَّتُه الى تجميع ذلك وقَرَعَ له ظُنْبُوبَ فِكْرِه فما ضاق بذلك ذِراعا ولا نَبَا عنه طِباعا لكنه تأمَّلَ فوَجَدَ غيرَ واحدٍ من مُقَلَّدِى فَضْلهِ ومُطَوَّقىِ طَوْلِه مُبْزِياً بذلك مُقِيتاً عليه وكُلًّا عَجَمَ فوَجَدنى أعْتَقَ تِلك القِدَاحِ جَوْهرا وأشرفَها عُنْصُرا وأَصْلَبَها مَكْسِرا وأوْفَرَها قِسْما وأعلاها عند الاجالةِ اسما فأَهَّلَنِى لذلك واسْتَعْمَلنى فيه وأَمَرنى باللزومِ له والمُثافَنَةِ عليه بعد أن هَدَانى سَواءَ السبيلِ الى عِلْمِ كيفيةِ التأليف وأرانى كيف تُوضَعُ قوانينُ التصريف وعَرَّفَنِى كيف التَّخَلُّصُ الى اليقين عند تَخَالُجِ الأمرِ لِمَا يَعْتَرِضُ من الظنون من تَعَاضُدٍ وتَعَانُدٍ وعَقَدَ عَلَىَّ فى ذلك إيجازَ القولِ وتسهيلَه وتقريبَه من الأفهام بغاية ما يُمْكِن فَدَعا مِنِّى الى كلِّ ذلك سميعاً وأمَرَ به مُطِيعا وحُقَّ لِمَنْ تَسَرْبَلَ مِنْ نعمتِه ما تَسَرْبَلْت واشْتَملَ منها بما اشتملْت أن