يلزم منه الترجيح لأحد طرفي الممكن من غير مرجح وهو محال والأول يستلزم التسلسل أو الانتهاء إلى ما يجب معه الترجيح وهو ينافي التقدير ويستلزم الجبر.
والجواب أن الفعل بالنظر إلى قدرة العبد ممكن وواجب بالنظر إلى داعيه وذلك لا يستلزم الجبر فإن كل قادر فإنه يجب عنه الأثر عند وجود الداعي كما في حق الواجب تعالى فإن هذا الدليل قائم في حقه تعالى ووجه المخلص ما ذكرناه ، على أن هذا غير مسموع من أكثرهم حيث جوزوا من القادر ترجيح أحد مقدوريه على الآخر من غير مرجح وبه أجابوا عن الشبهة التي أوردها الفلاسفة عليهم فما أدري لم كان الجواب مسموعا هناك ولم يكن مسموعا هاهنا.
قال : والإيجاد لا يستلزم العلم إلا مع اقتران القصد فيكفي الإجمال.
أقول : هذا الجواب عن شبهة أخرى لهم وتقريرها أن العبد لو كان موجدا لأفعال نفسه لكان عالما بها والتالي باطل فالمقدم مثله والشرطية ظاهرة وبيان بطلان التالي أنا حال الحركة نفعل حركات جزئية لا نعقلها وإنما نقصد الحركة إلى المنتهى وإن لم نقصد جزئيات تلك الحركة (والجواب) أن الإيجاد لا يستلزم العلم فإن الفاعل قد يصدر عنه الفعل بمجرد الطبع كالإحراق الصادر عن النار من غير علم فلا يلزم من نفي العلم نفي الإيجاد نعم الإيجاد مع القصد يستلزم العلم لكن العلم الإجمالي كاف فيه وهو حاصل في الحركات الجزئية بين المبدإ والمنتهى.
قال : ومع الاجتماع يقع مراده تعالى.
أقول : هذا جواب عن شبهة أخرى لهم وتقريرها أن العبد لو كان قادرا على الفعل لزم اجتماع قادرين على مقدور واحد والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أنه تعالى قادر على كل مقدور فلو كان العبد قادرا على شيء لاجتمعت قدرته وقدرة الله تعالى عليه وأما بطلان التالي فلأنه لو أراد الله تعالى إيجاده وأراد العبد إعدامه فإن وقع المرادان أو عدما لزم اجتماع النقيضين وإن وقع مراد أحدهما دون الآخر لزم الترجيح من غير مرجح