قال : ولا يتعين منافعه.
أقول : هذا حكم ثالث للعوض وهو أنه لا يتعين منافعه بمعنى أنه لا يجب إيصاله في منفعة معينة دون أخرى بل يصلح توفيته بكل ما يحصل فيه شهوة المعوض وهذا بخلاف الثواب لأنه يجب أن يكون من جنس ما ألفه المكلف من ملاذه كالأكل والشرب واللبس والمنكح لأنه رغب به في تحمل المشاق بخلاف العوض فإنا قد بينا أنه يصح إيصاله إليه وإن لم يعلم أنه عوض عما وصل إليه من الألم فصح إيصاله إليه بكل منفعة.
قال : ولا يصح إسقاطه.
أقول : هذا حكم آخر للعوض وهو أنه لا يصح إسقاطه ولا هبته ممن وجب عليه في الدنيا ولا في الآخرة سواء كان العوض عليه تعالى أو علينا هذا قول أبي هاشم وقاضي القضاة. وجزم أبو الحسين بصحة إسقاط العوض علينا إذا استحل الظالم من المظلوم وجعله في حل بخلاف العوض عليه تعالى فإنه لا يسقط لأن إسقاطه عنه تعالى عبث لعدم انتفاعه به.
واحتج القاضي بأن مستحق العوض لا يقدر على استيفائه ولا على المطالبة. به ولا يعرف مقداره ولا صفته فصار كالصبي المولى عليه لا يصح له إسقاط حقه عن غريمه.
والوجه عندي جواز ذلك لأنه حقه وفي هبته نفع للموهوب ويمكن نقل هذا الحق إليه فكان جائزا. والحمل على الصبي غير تام لأن الشرع منع الصبي من التصرف في ماله لمصلحة شرعية حتى أنا لو لا الشرع لجوزنا من الصبي المميز إذا علم دينه ، وأن هبته إحسان إلى الغير وآثر هذا الإحسان لانتفاء الضرر عنه مع اشتماله على الاختيار في الهبة لأنه كالبالغ لكن الشرع فرق بينهما وعلى هذا لو كان العوض مستحقا عليه تعالى أمكن هبته مستحقة لغيره من العباد لما ذكرنا من أنه حقه وفي هبته انتفاع الموهوب وإمكان نقل هذا الحق أما الثواب المستحق عليه تعالى فلا يصح منا هبته لغيرنا لأنه مستحق بالمدح فلا يصح نقله إلى من لا يستحقه.