فالمقدم مثله بيان الشرطية أن الغرض من إقامته انقياد الأمة له وامتثال أوامره واتباعه فيما يفعله فلو وقعت المعصية منه لم يجب شيء من ذلك وهو مناف لنصبه. الخامس أنه لو وقع منه المعصية لزم أن يكون أقل درجة من العوام لأن عقله أشد ومعرفته بالله تعالى وثوابه وعقابه أكثر فلو وقع منه المعصية كان أقل حالا من رعيته وكل ذلك باطل قطعا.
قال : ولا تنافي العصمة القدرة.
أقول : اختلف القائلون بالعصمة في أن المعصوم هل يتمكن من فعل المعصية أم لا فذهب قوم منهم إلى عدم تمكنه من ذلك وذهب آخرون إلى تمكنه منها أما الأولون فمنهم من قال إن المعصوم مختص في بدنه أو نفسه بخاصية تقتضي امتناع إقدامه على المعصية ومنهم من قال إن العصمة هو القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية وهو قول أبي الحسين البصري وأما الآخرون الذين لم يسلبوا القدرة فمنهم من فسرها بأنه الأمر الذي يفعله الله تعالى بالعبد من الألطاف المقربة إلى الطاعات التي يعلم معها أنه لا يقدم على المعصية بشرط أن لا ينتهي ذلك الأمر إلى الإلجاء ومنهم من فسرها بأنها ملكة نفسانية لا يصدر عن صاحبها معها المعاصي وآخرون قالوا العصمة لطف يفعله الله تعالى بصاحبها لا يكون له معه داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية وأسباب هذا اللطف أمور أربعة : أحدها أن يكون لنفسه أو لبدنه خاصية تقتضي ملكة مانعة من الفجور وهذه الملكة مغايرة للفعل. الثاني أن يحصل له علم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات. الثالث تأكيد هذه العلوم بتتابع الوحي والإلهام من الله تعالى. الرابع مؤاخذته على ترك الأولى بحيث يعلم أنه لا يترك مهملا بل يضيق عليه الأمر في غير الواجب من الأمور الحسنة فإذا اجتمعت هذه الأمور كان الإنسان معصوما والمصنف ـ رحمهالله ـ اختار المذهب الثاني وهو أن العصمة لا تنافي القدرة بل المعصوم قادر على فعل المعصية وإلا لما استحق المدح على ترك المعصية ولا الثواب ولبطل الثواب والعقاب في حقه فكان خارجا عن التكليف وذلك باطل بالإجماع وبالنقل في قوله تعالى (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ).