بوعده ووعيده. الثاني أن الله تعالى قد كلف وفعل الألم وذلك يستلزم الثواب والعوض وإلا لكان ظالما تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فإنا قد بينا حكمته تعالى ولا ريب في أن الثواب والعوض إنما يصلان إلى المكلف في الآخرة لانتفائهما في الدنيا واستدل على ثبوت المعاد الجسماني بأنه معلوم بالضرورة من دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم والقرآن دل عليه في آيات كثيرة بالنص مع أنه ممكن فيجب المصير إليه وإنما قلنا بأنه ممكن لأن المراد من الإعادة جمع الأجزاء المتفرقة وذلك جائز بالضرورة.
قال : ولا تجب إعادة فواضل المكلف.
أقول : اختلف الناس في المكلف ما هو على مذاهب عرفت منها قول من يعتقد أن المكلف هو النفس المجردة وهو مذهب الأوائل والنصارى والتناسخية والغزالي والحليمي والراغب من الأشاعرة وابن الهيثم من الكرامية وجماعة من الإمامية والصوفية (ومنها) قول جماعة من المحققين إن المكلف هو أجزاء أصلية في هذا البدن لا يتطرق إليها الزيادة والنقصان وإنما تقعان في أجزاء المضافة إليها.
(إذا عرفت هذا فنقول) الواجب في المعاد هو إعادة تلك الأجزاء الأصلية أو النفس المجردة مع الأجزاء الأصلية أما الأجسام المتصلة بتلك الأجزاء فلا تجب إعادتها بعينها وغرض المصنف ـ رحمهالله ـ بهذا الكلام الجواب عن اعتراضات الفلاسفة على المعاد الجسماني وتقرير قولهم إن إنسانا لو أكل آخر أو اغتذى بأجزائه فإن أعيدت أجزاء الغذاء إلى الأول عدم الثاني وإن أعيدت إلى الثاني عدم الأول. وأيضا إما أن يعيد الله تعالى جميع الأجزاء البدنية الحاصلة من أول العمر إلى آخره أو القدر الحاصل له عند موته والقسمان باطلان : أما الأول فلأن البدن دائما في التحلل والاستخلاف فلو أعيد البدن مع جميع الأجزاء منه لزم عظمه في الغاية ولأنه قد يتحلل منه أجزاء تصير أجساما غذائية ثم يأكلها ذلك الإنسان بعينه حتى تصير أجزاء من عضو آخر غير العضو الذي كانت أجزاء له أولا فإذا أعيدت أجزاء كل عضو إلى عضوه لزم جعل ذلك الجزء جزءا من العضوين وهو محال ، وأما الثاني فلأنه قد يطيع العبد حال تركبه من أجزاء بعينها ثم تتحلل تلك الأجزاء