هو عقلي أو سمعي فذهبت المعتزلة إلى أنه عقلي وذهبت المرجئة إلى أنه سمعي واحتج المصنف ـ رحمهالله ـ على دوامهما بوجوه : أحدها أن العلم بدوام الثواب والعقاب يبعث العبد على فعل الطاعة ويبعده عن المعصية وذلك ضروري وإذا كان كذلك كان لطفا واللطف واجب على ما مر. الثاني أن المدح والذم دائمان إذ لا وقت إلا ويحسن مدح المطيع وذم العاصي إذا لم يظهر منه ندم على ما فعل وهما معلولا الطاعة والمعصية فيجب كون الطاعة والمعصية في حكم الدائمتين فيجب دوام الثواب والعقاب لأن دوام أحد المعلولين يستلزم دوام المعلول الآخر لأن العلة تكون دائمة أو في حكم الدائمة. الثالث أن الثواب لو كان منقطعا لحصل لصاحبه الألم بانقطاعه ولو كان العقاب منقطعا لحصل لصاحبه السرور بانقطاعه وذلك ينافي الثواب والعقاب لأنهما خالصان عن الشوائب هذا ما فهمناه من كلام المصنف ـ رحمهالله ـ وقوله لحصول نقيضيهما يعني نقيضي الثواب والعقاب لولاه أي لو لا الدوام.
قال : ويجب خلوصهما وإلا لكان الثواب أنقص حالا من العوض والتفضل على تقدير حصوله فيهما وهو أدخل في باب الزجر.
أقول : يجب خلوص الثواب والعقاب عن الشوائب أما الثواب فلأنه لو لا ذلك لكان العوض والتفضل أكمل منه لأنه يجوز خلوصهما عن الشوائب وحينئذ يكون الثواب أنقص درجة وأنه غير جائز وأما العقاب فلأنه أعظم في الزجر فيكون لطفا.
قال : وكل ذي مرتبة في الجنة لا يطلب الأزيد ويبلغ سرورهم بالشكر إلى حد انتفاء المشقة وغنائهم بالثواب ينفي مشقة ترك القبائح وأهل النار يلجئون إلى ترك القبيح.
أقول : لما ذكر أن الثواب خالص عن الشوائب ورد عليه أن أهل الجنة يتفاوتون في الدرجات فالأنقص إذا شاهد من هو أعظم ثوابا حصل له الغم بنقص درجته عنه وبعدم اجتهاده في العبادة وأيضا فإنه يجب عليهم الشكر لنعم الله تعالى والإخلال بالقبائح وفي ذلك مشقة. والجواب عن الأول أن شهوة كل مكلف مقصورة على ما حصل له ولا يغتم