وصل
فالماهية الكلية ما لم تتشّخص ولم تصر جزئية ، لم توجد في الحسّ ، ولا في العقل المشوب به إلّا بنحو من الاعتبار ، والتشخّص والجزئية إنّما يكونان بنحو الوجود ؛ لأنّ الشيء إذا قطع النظر عن نحو وجوده فالعقل لا يأبى عن تجويز الشركة فيه ، وإن ضمّ إليه ألف تخصيص ، فإنّ الامتياز في الواقع غير التعيّن ؛ إذ الأوّل للشيء بالقياس إلى المشاركات، وفي أمر عام ، والثاني باعتباره في نفسه ، حتّى لو لم يكن له مشارك لا يحتاج إلى مميّز زائد ، مع أنّ له تعيّنا في نفسه.
نعم ، لا يبعد أن يكون التميّز يوجب للشيء المادي استعداد التعيّن الوجودي ، فإنّ المادّة ما لم تكن متخصّصة الاستعداد لواحد معيّن من النوع لا يفيض وجوده من المبدأ الأعلى ، وأمّا سائر الخصوصيّات من الزمان والمكان والوضع وغيرها من العوارض ، فإنّما هي من علامات التعين ، ولوازم الوجود ، لا من مقوّماته ؛ لأنّ لكلّ منها ماهية وتعيّنا ، والكلام في تعيّنه عائد ، فلا بدّ وأن ينتهي إلى ما يتعيّن بذاته ، والمتعيّن بالذات ليس إلّا أنحاء للوجودات ، كما دريت. كذا حقّق أستاذنا ـ دام ظلّه ـ هذه المباحث (١).
فصل
إذا ثبت هذا ، أعني أنّ التعيّن إنّما يكون بالوجود ، وقد ثبت أنّ أثر الفاعل
__________________
(١) ـ أنظر : الأسفار الأربعة : ٢ : ١٠.