أصل
كل معنى نوعي لا يجوز أن يتكثّر بنفسه ، وإلّا لم يوجد منه واحد شخصي ، ولا بصفة لازمة ؛ لما ذكرنا ، فلا بدّ في كثرة الأشخاص من صفات متفارقة في الوجود ، يتفارق بها المعنى الواحد ، والصفات المتفارقة الموجودة لشيء واحد ، لا بدّ وأن ينقسم بها ذلك الشيء في الوجود ، لا في العقل فقط ، والمنقسم بأمور متساوية في الحقيقة لا بدّ وأن يكون قابلا لتلك الأمور ، والقابل لا يكون إلّا مادّة أو ما في مادّة ، فالمتكثّر بالذات بالقوّة ، والمقبول هو المادّة ، وسبب التكثّر هو حدوث القطع ، والقطع لا يحدث إلّا بالجسم ؛ لأنّ المادّة ما لم تتجسّم لم تقبل عروض القطع ، والقطوع الّتي تعرض الأجسام بسبب كثرة القواطع ، وكثرة القواطع أيضا منشؤها كثرة شيء ، وهكذا إلى أن انتهت إلى شيء يتكثّر بذاته بالفعل.
وقد ثبت أن سبب كلّ حادث حركة القابل ، فإذن المتكثّر بذاته بالفعل هي الحركة ؛ إذ ليست حقيقتها إلّا التجدد والانقضاء ، وأن يكون ماضيا ولا حقا ، كما أن الجسم وجوده أن يكون هناك وهنا ، فبوجود هذين الأمرين تنقسم المعاني بالعدد ، فبالجسم ينقسم المعنى الواحد في الوضع ، وبالحركة ينقسم في الزمان.
ومن ها هنا قيل : التعيّن من لوازم الوضع ، والزمان ؛ لأنهما لا زمان لوجود الجسم والحركة ، وبالوضع ينقسم الجسم بالقوة والإمكان ، وبالزمان تنقسم الحركة بالفعل والوجوب ، وبالأربعة ينقسم المعنى الواحد في الوجود.
وقد ظهر من هذا أن كلّ ما تجرّد عن المادّة فحقّ نوعه أن ينحصر في فرده ، وكذلك كلّ مادّي يلحق مادّته ما يمنعه من القطع والانفصال.