وصل
لا شكّ أن في الجسم سنخا تتوارد عليه الصورة والهيئات ، وله خميرة تختلف عليها الاستحالات والانقلابات ، فإنّ التراب ـ مثلا ـ يصير نطفة ، والنطفة بشرا ، والبذر شجرا ، والشجر رمادا ، أو فحما ، إلى غير ذلك.
فلا يخلو إمّا أن تكون النطفة باقية نطفة ومع هذا فهو بشر ، حتّى تكون في حالة واحدة نطفة وبشرا ، أو تكون بطلت بكلّيتها ، حتّى لم يبق منها شيء أصلا ، فحينئذ ما خلق البشر من النطفة ، بل ذلك شيء بطل بكلّيته ، وهذا شيء آخر حصل جديدا بجميع أجزائه.
أو يكون الجوهر الّذي كانت فيه الهيئة النطفية بطلت عنه تلك الهيئة ، وحصلت فيه الهيئة البشرية.
والقسمان الأولان باطلان بالبديهة ، وليس يعتقده عامي ، فضلا عن الخواص ، ولذلك كلّ من زرع بذرا لينبت منه شيء ، أو تزوّج ليكون له ولد ، يحكم على الزرع بأنه من بذره ، ويفرق بين ولده وغيره بأنه من مائه.
أولا يرى أنّه لا يحصل في الزراعة من البرّ غير البرّ ، ومن الشعير غير الشعير ، ولا في التوليد من الإنسان غير الإنسان ، ومن الفرس المحض غير الفرس ، ومن الحمار غير الحمار ، ومن المزدوج بين القسمين غير المزدوج من صفات كلّ منهما ، فتعيّن القسم الثالث.
فثبت إذن وجود مادّة في الأجسام تتوارد عليها الصور والهيئات ، وهي باقية في الأحوال.