الفاعلية الّتي تنفعل هي عنها ، فالشجرة ـ مثلا ـ ليست بالقوة مفتاحا ، بل تحتاج إلى أن تلقاها أوّلا قوّة قالعة ، ثمّ ناشرة ، ثمّ ناحتة ، ثمّ بعد ذلك تتهيأ لأن تنفعل من ملاقاة القوّة الفاعلة المفتاحية ، فتصير مفتاحا.
فالمادّة الأولى ليست استعدادا واحدا نحو صورة واحدة حتّى تبطل ذاته بوجود تلك الصورة ، بل هي قوّة مطلقة لجميع الصور ، وليست في ذاتها واحدة بالعدد ، بل بالمعنى ، ولا جوهرا مستقلا في الوجود ، بل بتبعية صورة ما مطلقة.
ألا ترى إلى حال البدن كيف تصحبه قوّة مستمرة للهيئات والصور المتبدلة للأعضاء ، وغيرها ، واستعداداتها المتعاقبة ، فلم يزل يلزمه مادام في هذه النشأة نقيص ، وبحسبه قوّة مستمرة نحو الاستكمال طورا بعد طور ، وحالا غبّ حال ، بحيث تتبدّل فيه جميع الصور الّتي للأعضاء والأمشاج ، ومع ذلك هو محفوظ الوحدة الشخصية للصورة المطلقة وللاستعداد المطلق بنفس شخصية ، باق من أوّل العمر إلى آخر الأجل.
فقس عليه حال العالم الجسماني كله ، في وحدته الشخصية ، ووحدة مادته ، الّتي هي قوّة محضة مستمرة إلى آخر الدهر ، مع تبدّل الصور وتعدّد الاستعدادات ، وفيه سرّ آخر أعلى وأتمّ سننبّه عليه.
وصل
ولما كان وجود المادّة تابعا لوجود الصورة ، فهي متأخّرة عن الصورة وإن كانت متقدّمة عليها من وجه.
والسر فيه أن ما بالفعل مطلقا متقدّم على ما بالقوة ، كما مرّ بيانه.