الرسل والأنبياء ، صلوات الله عليهم ، من أصول المعارف ، غير أنّه بقي لأولي العقول الصرفة من العلم بالله واليوم الآخر ممّا هو وراء طور العقل الجمهوري أمور ، تمّمها لهم الرسل، وأن نظر الأنبياء أوسع وأحدّ ، ومعرفتهم بالغة إلى جزئيّات الأمور ، وتعيين الأعمال المقرّبة إلى الله تعالى ، كما هي بالغة إلى كلياتها ، وأنّ لهم قدرة النزول في المعارف بالله إلى العامي الضعيف الرأي بما يصلح لعقله من ذلك ، وإلى الكبير العقل ، الصحيح النظر ، بما يصلح لعقله ، وأنهم أعلم خلق الله فيما غاب عنهم ، وأنّ همّتهم في معرفة حقائق أمور النشأة الآخرة أكثر منها في معرفة أمور هذه النشأة ، بل لا يخوضون من الفانية إلّا فيما هو وسيلة إلى الباقية.
ولهذا لمّا سئل نبيّنا صلىاللهعليهوآله عن التشكّلات البدرية والهلالية للقمر ، أمر بالإعراض عن الجواب إلى أمر آخر ؛ تنبيها على أن هذا السؤال ليس بمهم ، وإنّما المهمّ من ذلك ما يقرّب إلى الله سبحانه ، والدار الآخرة.
وأمّا أولو العقول الصرفة فلم يؤتوا من العلم والقدرة والنظر ما أوتي النبيّون ، ولم تصل أفكارهم إلى النشأة الآخرة كما ينبغي.
ومع ذلك فلا يجوز التقصير في حقّهم ، والتفريط في شأنهم ، على وجه يفضي إلى الإزراء بهم وبإيمانهم ، حاشاهم عن ذلك ، لا سيّما وكلماتهم مرموزة ، وما ورد عليهم وإن كان متوجّها على ظاهر أقاويلهم ، لم يتوجّه على مقاصدهم ، فلا ردّ على الرمز ، وإنّما خضت من طريقتهم في ضوابط وأصول كانت وسيلة إلى فهم أسرار الشرع ومرموزاته ، أو أبحاث لهم في معرفة أعيان الحقائق كانت ذريعة الإحاطة بما عليه الوجود ، بقدر الوسع والطاقة ، تكميلا للنفس ، وتوسيعا لساحة ميدان التفكّر في عظمة الله سبحانه ، لا كما يخوض فيه الغافلون ، بل على