وكذلك مجموع الثلاث من حيث المجموع ، كأنه حيوان واحد ، له نفس واحدة ، هي النشأة العقلية ، وقلب هو النشأة الخيالية ، وبدن هو النشأة الجسمانية ، قال الله سبحانه : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) (١).
قال صاحب الفتوحات : العالم صورة الحق ، وهو روح العالم المدبّر له ، فهو الإنسان الكبير (٢).
وأنت يمكنك أن تعرف هذا وتصدّق به بعد تدبّرك فيما مضى من الأصول ، واطّلاعك على ما سيأتي من المعارف ، ويعينك على ذلك ما أشرنا إليه من وحدة العقول ، وأنها كلها لفرط الفعلية والكمال كأنها شيء واحد ، اختلفت أفاعيله ، كما أن المواد كلها لفرط القوّة والانفعال كأنّها شيء واحد ، اختلفت انفعالاته ، وأن العقل الأوّل مشتمل على الجميع ، بل هو عين الكلّ ؛ لما دريت من التحقيقات الّتي أسلفناها ، أنّ الفصل الأخير لكلّ مركّب الحقيقة هو بعينه مصداق حمل جميع المعاني الّتي توجد في المركّب مجتمعة ، وفي الأنواع الّتي هي دونه متفرّقة ، وأن كلّ وجود عال فهو تمام الوجود السافل ، ولغير ذلك من البيانات الّتي ستطلع عليها.
ومن هنا قال بعض متألّهة الحكماء : الأشياء كلّها من العقل ، والعقل هو الأشياء ، وإنما صار العقل هو جميع الأشياء ؛ لأنّ فيه جميع صفات الأشياء ، وليس فيه صفة إلّا وهي تفعل شيئا ممّا يليق بها ؛ وذلك أنّه ليس في العقل شيء إلّا وهو مطابق لكون شيء آخر(٣).
__________________
(١) ـ سورة لقمان ، الآية ٢٨.
(٢) ـ فصوص الحكم : ١١١.
(٣) ـ الشواهد : ١٥٣ ، عن كتاب أثولوجيا.