صار بلا مكان.
وأمّا الباقيتان فليس لأبعاضهما أمكنة حقيقية ، كما ليست لمجموعهما ، إلّا أن لكلّ منهما ـ كلّا ، أو بعضا ـ أمكنة نسبية ، ومظاهر جزئية يظهر فيها باعتبار بعض صفاتها ورقائقها لبعض المدارك في بعض الأمكنة ، وفي بعض الأوقات بأسباب وشرائط مخصوصة.
أما أمكنتها النسبية فكما يقال : إنّ النشأة العقلية فوق النشأة المثالية ، أو محيطة بها ، والمثالية فوق الحسّية أو محيطة بها ، لا كإحاطة الحقّة بالدرر ، بل كإحاطة الروح بالجسم ، أو يقال : الجنة فوق السماء السابعة ، والنار تحت الأرض السفلى ، أو يقال : إنّ مقعّر أرض الجنة هو سقف النار ، أو نحو ذلك.
وأمّا مظاهرهما الجزئية فكما ورد في الحديث النبوي : إن «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة» (١) ، وذلك بالقياس إلى كشفه عليهالسلام وشهوده إيّاها هناك ، فإنّ بعض المواضع بمنزلة المرائي المجلوّة الّتي تشاهد فيها الصور لمن قابلها ضربا من المقابلة ، ولا يستحيل أن يكون ذلك في أمكنة متعددة في حين واحد ، ولا في أمكنة ضيّقة جدا ؛ لأنّ حكم الإنشاء النسبي لا ينافي هذا ، فإنّ الشيء الواحد في حالة واحدة يمكن أن ينسب إلى أمور متخالفة ، باعتبار وجوده الإضافي ، دون الحقيقي.
ويمكن أن يجامع ضدّه من هذه الحيثية ؛ إذ المتضادّان لا يكونان متضادّين من جميع جهاتهما واعتباراتهما ، بل بحسب البعض ، كالنار والماء ، فإنهما لا يتضادّان من كلّ الوجوه ، بل يتوافقان ـ مثلا ـ في كونهما موجودين في العقل ، ونحو ذلك ؛ ولهذا لم يمتنع اجتماعهما فيه ، وتحققهما معا ، كما أشير إليه
__________________
(١) ـ من لا يحضره الفقيه : ٢ : ٥٦٨ ، ح ٣١٥٨.