بقوله تعالى : (... أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (١) ، كذا أفاد أستاذنا ، مدّ ظلّه (٢).
وبهذا التحقيق تتلائم الأخبار الواردة في تعيين الأمكنة للجنّة والنار على كثرتها واختلافاتها ، وقد ذكرنا نبذا منها في كتاب علم اليقين ، مع تفاصيل ما في النشأة الآخرة ، والآن فلنبيّن كيفية نشوء الآخرة من الأولى ، ووجوه الفرق بينهما ، وبالله التوفيق.
أصل
الآخرة : إمّا جنة ، أو نار.
والجنة جنّتان : جنة معقولة للمقرّبين ، وهو العالم العقلي بما هو متأخّر عن هذه النشأة الدنياوية ، أعني ما يحصل منه في سلسلة العود ، وهي إنّما تنشأ من العلوم الحقة ، والمعارف اليقينية ، فإنّ المعرفة في هذه الدنيا بذر المشاهدة في الآخرة ، واللذّة الكاملة موقوفة على المشاهدة ، فإنّ الوجود لذيذ ، وكماله ألذّ ، فالمعارف الّتي هي مقتضى طباع القوّة العاقلة ، من العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله ، إذا صارت مشاهدة للنفس كانت لها لذّة لا يدرك الوصف كنهها ؛ ولهذا ورد في الحديث : «لا عيش إلّا عيش الآخرة» (٣).
وجنّة محسوسة لأصحاب اليمين ، وهو العالم الخيالي ، بما هو متأخّر أيضا ، فإنّ الخيال في الآخرة يصير عين الحسّ الظاهري ، ويتّحد به ، وهي إنّما
__________________
(١) ـ سورة نوح ، الآية ٢٥.
(٢) ـ أنظر : المبدأ والمعاد : ٤٤٧.
(٣) ـ تفسير القمّي : ٢ : ١٧٧.