وصل
كلّ من الجنة والنار ـ المحسوستين ـ عالم مقداريّ صوري ، إحداهما صورة رحمة الله ، والأخرى صورة غضبه.
قال أستاذنا ـ مدّ ظلّه ـ : إنّ جهنّم ليست بدار حقيقية متأصّلة ؛ لأنها صورة غضب الله ، كما أن الجنّة صورة رحمة الله ، وقد ثبت أن رحمة الله ذاتية واسعة كلّ شيء ، والغضب عارضيّ ، وكذا الخيرات صادرة بالذات ، والشرور واقعة بالعرض ، فعلى هذا لا بدّ أن تكون الجنة موجودة بالذات ، والنار مقدّرة بالتبع (١).
وقال أيضا : إن جهنّم من سنخ الدنيا ، وأصلها ، فمادّتها هي تعلّق النفس بأمور الدنيا من حيث هي دنيا ، وصورتها هي صورة الهيئات المؤلمة ، والأعدام ، والنقائص ، فإنّ الأعدام والنقائص وإن كانت من حيث هي أمور سلبية غير مؤثرة ، ولا معذّبة ، إلّا أن صورها الحضورية ، وحصولها الخارجية ، ضرب من الوجود للشيء الموصوف بها ، وهي من هذه الجهة شرور حقيقية حاصلة للشيء.
ألا ترى أن تفرّق الاتّصال مع أنّه أمر عدمي ؛ لأنّه عبارة عن زوال الاتصال عمّا من شأنه الاتصال ففيه غاية الألم للحسّ اللامس به ؛ لأنّه عدم محسوس ، مشهود للنفس ، وإذا كان العدم موجودا كان شرا حقيقيا ، ويكون إدراكه اللمسي إدراك أمر مناف ، حاصل بنفسه للمدرك ؛ لأنّ العلم الشهودي هو
__________________
(١) ـ الأسفار الأربعة : ٩ : ٣٤٥.