بعينه نحو وجود المعلوم الخارجي ، والمعلوم بهذا العلم إذا كان عدما خارجيا كان ذلك العدم ـ مع كونه عدما ـ أمرا موجودا ، فيكون شرا حقيقيا ، ففيه غاية الألم ، ونهاية الشرّية (١).
قال : فصورة جهنّم في الآخرة هي صورة الآلام الّتي هي أعدام ونقائص حاصلة للنفس ، فالنفوس الشقية ما دامت على فطرة تدرك بها النقائص والأعدام الموصوفة بها الّتي من شأنها تلك النفوس أن تتّصف بمقابلاتها تكون لها آلام شديدة بحسبها ، فتلك الآلام باقية فيها إلى أن يزول عنها إدراكها ، إمّا بتبدّل فطرتها إلى فطرة أدنى وأخسّ من تلك الفطرة ، أو بزوال تلك النقائص والأعدام ، بحصول مقابلاتها ، من جهة ارتفاع حال تلك النفوس ، وقوّة كمالاتها ، واشتغالها بإدراك أمور عالية كانت تعتقدها من قبل ، وصارت ذاهلة عنها ، ممنوعة عن إدراكها ؛ لانصراف توجّهها عنها إلى تلك الشواغل الحسّية ، فعلى التقديرين يزول العذاب ، وتحصل الراحة.
والحاصل : أنّ جهنّم هي صورة الدنيا من حيث هي دنيا حالّة في موضوع النفس يوم القيامة ، فتلك الصورة الجحيمية مشتملة على جميع ما في السماء والأرض من حيث نقائصها وشرورها ، لا من حيث كمالاتها وخيراتها ، فإنها من حيث كمالاتها وخيراتها هي من الجنة ، فالنفس ما دامت في هذا العالم تدرك الموجودات العالمية بهذه الحواسّ البدنية ، وكل ما يدرك بهذه الحواس يكون مخلوطا غير متميّز حقّه من باطله ، وصحيحه من فاسده ، فترى الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض على صورة مخلوطة ، مشتبهة ، فتزعم أن لها بقاء وثباتا ، وأن ضوء الشمس ونور القمر والكواكب بحسب الحقيقة على هذه
__________________
(١) ـ الأسفار الأربعة : ٩ : ٣٦٢ و ٣٦٣.