الهيئة ، وأنها ذاتية لتلك الأجرام ، قائمة بها ، لا بغيرها ، وأن السماء والأرض كلّ منهما على هذه الهيئة الّتي يدركها الحس ، من البقاء والثبات والارتفاع والانخفاض والوضع والترتيب ، فإذا جاء يوم القيامة تبدّلت هذه الأشياء غيرها ، وانفصل ما لها عمّا ليس لها ، وامتاز حقّها من باطلها ، ونورها العرضي من ظلمتها الأصلية ، وخبيثها من الطيّب ، كما قال تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (١).
فصورة جهنّم عبارة عن الحقيقة الأصلية لهذا العالم ، متميّزة عما هو خارج عنها من الخيرات والكمالات ، فإذا قامت القيامة واستقرّت كلّ طائفة في دارها ، رجعت كلّ صورة إلى حقيقتها ، فيكون الحكم في أهل الجنة بحسب ما يعطيه الأمر الإلهي في النشأة الآخرة ، ويكون الحكم في أهل النار بحسب ما يعطيه الأمر الإلهي في مادّة هذا العالم الّذي أودع الله في حركات الأفلاك وفي الكواكب الثابتة والسبعة المطموسة ، أنوارها ، فهي كواكب لكنّها مطموسة الأنوار في القيامة ، وكذا الشمس شمس لكنها منكسفة النور ؛ لأنّ أنوارها مستفادة من مبادئها الأصلية ، فهي بالحقيقة قائمة بتلك المبادىء ، لا بهذه الأجرام (٢).
روى علي بن إبراهيم في تفسيره ، عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام ، أنّه قال : «إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، يجريان بأمره ، مطيعان له ، ضوؤهما من نور عرشه ، وحرّهما من جهنّم ، وإذا كانت القيامة عاد إلى العرش نورهما ، وعاد إلى النار حرّهما ، فلا يكون شمس ، ولا قمر» (٣).
__________________
(١) ـ سورة آل عمران ، الآية ١٧٩.
(٢) ـ الأسفار الأربعة : ٩ : ٣٦٣ و ٣٦٤.
(٣) ـ تفسير القمّي : ٢ : ٣٤٣.