وقال في الباب الستّين من الفتوحات : يقرب حكم النار من حكم الدنيا ، فليس بعذاب خالص ، ولا بنعيم خالص ، ولهذا قال تعالى : (لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) (١) ، [إلى أن قال :] وسبب ذلك أنّه بقي ما أودع الله عليهم في الأفلاك وحركات الكواكب من الأمر الإلهي ، وتغيّر منه على قدر ما تغيّر من صور الأفلاك بالتبديل ، ومن صور الكواكب بالطمس والانتثار ، فاختلف حكمها بزيادة ونقص (٢) ، وغير ذلك.
وقال في معرفة جهنم : إعلم ـ عصمنا الله وإيّاك ـ أنّ جهنم من أعظم المخلوقات ، وهي سجن الله في الآخرة ، وسميت جهنم لبعد قعرها ، يقال : بئر جهنام ، إذا كانت بعيدة القعر ، وهي تحوي على حرور وزمهرير ، ففيها البرد على أقصى درجاته ، والحر على أقصى درجاته ، وبين أعلاها وقعرها خمس وسبعون إلى مائة من السنين. واختلف الناس فيها ، هل خلقت بعد ، أو لم تخلق؟ والخلاف مشهور فيها.
[إلى أن قال :] وكذلك اختلفوا في الجنة. وأمّا عندنا وعند أصحابنا أهل الكشف والتعريف فهما مخلوقتان غير مخلوقتين. أما قولنا : مخلوقتان ، فكرجل يبني دارا ، فأقام حيطانها كلها الحاوية عليها خاصة ، فيقال : هي دار ، فإذا دخلتها لم تر إلّا سورا دائرا على فضاء وساحة ، ثمّ بعد ذلك ينشىء بيوتها على أغراض الساكنين فيها ، من بيوت ، وغرف ، وسرادق ، ومسالك ، ومخازن ، وما ينبغي أن يكون فيها. [إلى أن قال :] وفي دار حرورها هواء محرق لا جمر لها سوى بني آدم والأحجار المتخذة آلهة والجنّ لهبها.
__________________
(١) ـ سورة طه ، الآية ٧٤.
(٢) ـ الفتوحات المكية : ١ : ٢٩٤.